يوم سقط القناع ( الجزء الـسابع) | رواية عربية


 ولم ينتزع المنشفة عنها حتى اللحظة الاخيرة، ثم لفها بالاغطية حتى ذقنها، وعيناه بعيدتان.  قال بلطف: " لا تقلقي. المكان هادئ هنا، ويمكنك استعادة عافيتك بسلام".  وفي اللحظة التالية رن جرس بابه الامامي. حين عاد، كان برفقته امرأه ممتلئة الجسم
 في اواسط العمر.  قال: " هذه هي الدكتورة فاليتي، اتصلت بها في طريق عودتنا. اريد ان اتاكد ان حالتك ليست خطيرة".  وغادر الغرفة فورا. ونظرت الدكتورة فاليتي اليها بشيء يشبه السخط: " انتم الانكليزيون! متى ستتعلمون الوقاية من الشمس؟ "
 ليس لدينا اشعة شمس كهذه في انكلترا، وكنت اضع قبعة، لكن الريح نفختها بعيدا.   - هذا ما فهمته. وزاد الماء من تأثير اشعه الشمس، ومن له لون بشرة مثلك يجب ان يأخذ حذره.  وتحسست جبين دولسي، وقاست حرارتها، وطرحت
 بضع اسئلة قبل ان تعلن: " انت محظوظة لانه وضعك تحت ذلك الدوش البارد بسرعة. والآن، يلزمك يوم راحة بعيدا عن الشمس فيزول الالم. يمكنك الخروج، لكن لوقت قصير فقط، غطي نفسك مفهوم؟     - أجل، لكن لا يمكنني.   - سأترك لك حبوبا للصداع.
 وداعا الآن. افعلي كل مايقوله لك غو. صديقك، انه قلق جدا.  من خلال الضجيج في رأسها، سمعت دولسي كلمة "صديقك" فقط و" قلق جدا واستلقت إلى الخلف مع مغادرة الطبيبة، وبعد دقائق، دخل الغرفة يحمل فنجانا من الشاي.  ووضعه إلى جانبها: " خذي
 الدواء. دعيني اساعدك".  كانت ذراعه ثابتة خلف ظهرها، وترفعها بلطف وتضمها إلى كتفه بينما اخذت ترشف الشاي المعدّ باتقان.  قال وهو يعيدها لتستلقي: " ستكونين بخير الآن. فقد ادرت المكيف، وحين اذهب حاولي ان تنامي. ولن يزعجك أحد.اعدك".
 تقدم إلى النافذة واغلقها، فخيم الظلام في الغرفة، ثم ذهب.  واستلقت دولسي دون حراك، ترجو ان تفعل الاقراص فعلها.  لم تعرف كم من الوقت مر حين استيقظت. كانت أفضل حالا، لكنها لا تزال تشعر بالضعف. وعدها بالا يزعجها
 أحد، تماما كفارس يحمي سيدته.  وكانت فكرة غريبة! فهي قد جاءت إلى هنا لتكتشفه ككاذب رخيص. ولكنه تصرف بشهامة ونبل معها. وايا يكن ما يمليه عليها عقلها، فان قلبها وثق به فورا.  شعرت بالنعاس فاغمضت عينيها على صورة مياه
 البندقية. شعرت بانها تقع، فمدت يديها واحست انهما امسكتها يدين ضمتاها بشده. لتبقيانها سالمة. وباصابع متشابكة احست ان كل متاعبها زالت. ثم عادت لتطوف مرة أخرى.  * * *
فتحت دولسي عينيها على ظلام دامس، كان صداعها قد زال ولكن عندما نهضت من السرير اكتشفت انها لم تستعد عافيتها بعد ولزمها الكثير من الجهد لتسير حتى النافذة وتفتحها.  في الخارج، كان الظلام مخيما، وحده نور القمر كان
 يخترق المياه الهادئة كانت الشقة الصغيرة تطل على قناة مياه ضيقة ولم تستطع دولسي تحديد مكانها.  اضاءت المصباح قرب السرير، ورأت ان ثوب الحمام كان مرميا فوق السرير، إلا انه لم يكن هناك عندما نامت.. فمتى فعل غويدو هذا؟ لم يكن لديها فكرة.
 ارتدت الثوب وفتحت باب غرفة النوم بهدوء. وتوجهت مباشرة إلى الحمام الذي دخلته واغلقت الباب خلفها بصمت.  أول ما رأته كان ثيابها معلقة فوق المغطس، ومرتبة بإتقان.  صورتها في المرآة كانت صادمة، فقد تلاشى لونها الشاحب ليحل مكانه لون
 زهري لم تجده مناسبا، كانت الشمس قد احرقت ما تمكنت منها. وفكرت بسخرية: " هذا كله لم يكن جزءا من الخطة".  ورشت الماء البارد على وجهها، لكن هذا لم يفدها كثيرا. كانت قد استنزفت الكثير من الطاقة لتصل إلى هنا وبدت رحلة العودة ماراتونية.
 وإذ خرجت من الحمام، رأت شخصا نائما على الكنبة وقد بدا عدم ارتياحه واضحا، حتى تحت الغطاء الذي بالكاد يغطيه. تساءلت دولسي منذ متى وهو هنا، وفي إي حالة سيكون حين يستيقظ.  وبدأت تشق طريقها عائدة إلى غرفة النوم لكن الأمر كان صعبا وبعد بضع خطوات، توقفت، وتمسكت بكرسي
 وبدأت تخطط كيف يمكن ان تصل ومالبثت ان اصطدمت بالكنبة ما أسقط النائم ارضا فاستيقظ وهو يلعن ويشتم.  شهقت، وهي تمسك بالكنبة: " أنا آسفة".  ووقف على قدميه في لحظة.. كان يرتدي سروالا قصيرا، ليس إلا وقال بسرعة: " لا بأس.. هاك.. تمسكي بي".
 وفعلت هذا بامتنان، وهي تتمتم: " ظننت انني أفضل حالا، لكن حين نهضت.. لست أدري. ".     - سيلزمك يوم أو يومان. كيف حال صداعك؟   - لقد زال.. لكنه يعاودني الآن.   - سآخدك إلى السرير إذن، وأعد لك الشاي. تناولي
قرصين آخرين من الدواء. لقد تركت الطبيبة تعليمات واضحة.  ووصلا إلى السرير لكنه اجلسها على كرسي، وطلب منها ان تبقى هناك، ثم راح بكل نشاط يغير أغطية الوسائد، وينفض الشراشف.  قالت بإعجاب: " انت معتاد على الحياة المنزلية ".
 لقد علمني والدي. قال لي الا أعتمد على امرأة في مثل هذه الأمور، لأن النساء لا يعتمد عليهن.  كان يتكلم بوجه صارم، لكن عيناه كانتا تلمعان.     - عودي إلى السرير.  وأشار إلى بعض الأدراج.
 ستجدين بعض الثياب هنا.  وغادر الغرفة.  اختارت قطعة من ثيابه، وكانت قد تسللت إلى الفراش حين عاد ومعه الشاي. وشربته بامتنان واخذت قرصين من الدواء للصداع الذي عاودها بشدة.
 هناك جرس صغير قرب السرير، اقرعيه لو احتجت إلى.  تمتمت وهي تندس في الفراش راضية: " انت ممرض رائع".     - نامي الآن.  ونامت هذه المرة طويلا،
واستيقظت وهي تشعر بالانتعاش..  وفتحت النوافذ لتجد الصباح مشرقا، وكان ألم رأسها قد زال، ولو انها كانت لا تزال تشعر بالضعف.  نظرت حولها في غرفة النوم وعبر الباب، لكنها لم تجد اثرا لمضيفها.. كانت كل الغرف تتصل بالغرفة الرئيسية في
 شقته الصغيرة.. لذا لم يلزمه طويل لتتأكد انه خرج.  كان المكان لطيفا وهادئا، جدرانه بيضاء، وأثاثه بسيطا، الزينة الوحيدة كانت مجموعة الاقنعة المعلقة على الجدران بعضها بسيط والبعض خيالي. وبدا انها تغطي كل جدار، واخذت دولسي تنظر إليها باهتمام.
وإذ وقع نظرها على الكنبة الصغيرة اجفلت إشفاقا عليه، فقد بدا لها من غير العدل ان ينام في هذا المكان منكمشا بينما هي في سريره المزدوج لكن، لم يكن هناك أي مجال للشك. هذا الرجل لا يملك الكثير من المال.  سمعت الباب الأمامي يفتح، فخرجت لتراه وهو يدخل، محملا بالمشتريات.
قال: " ضعيها في المطبخ.. لا.. هذه فقط.. سآخذ هذه".  وابعد غرضين عنها، ورماهما على الكنبة، وقادها إلى المطبخ: " تبدين أفضل حالا.     - اشعر بهذا، لكنني اتمنى لو كنت ابدو أفضل حالا.   - هذا اللون صحي جيد.   - لا يجعلني ابدو حمقاء.
 لن ارد على هذا.. دعيني اجلس. لقد كنت اترنح تحت ثقل هذه الأشياء.   - هل اعد لك القهوة؟  قال بسرعة: " لا.. شكرا لك".     - ولم لا؟  قال دون تخفيف لهجته: " لأنك انكليزية".
 اتعني اننا لا نعرف كيف نعد القهوة؟  ابتسم ووقف على قدميه: " سأعد القهوة لكلينا.. ثم سأحضر الفطور".  وأخذ يراقبها وهي تساعده على إفراغ اكياس الطعام. وبدا لها انه اشترى أشياء تكفي جيشا.
 قالت: " كنت القي نظرة على فستاني".     - لقد افسده الماء. آسف لهذا. اعتقد انني يجب ان انزعه عنك اولا   - قالت بحزم: " لا.. ما كان يجب، انا لا أتذمر. لقد فعلت الشيء المناسب.. الأمر فقط انني اتصور نفسي اعود إلى فندق فيتوريو بهذا الشكل".
 لست مضطرة لهذا. اذهبي والقي نظرة على الكيسين في الغرفة المجاورة.  اتسعت عينا دولسي عندما رأت ما تحويه تلك الأكياس.  وقف بباب الحمام يراقبها: " عرفت انك ستحتاجين إلى ثياب نظيفة.. إنها رخيصة وليست ما أنت معتادة عليه".  وجعلها هذا تشعر بالسوء لأن
 هذا ما كانت معتادة عليه تماما، فقد اشترى لها بنطلون جينز ابيض وبلوزتين. وإذ تفحصت الأشياء الأخرى قالت: " اكان لك الجرأة لتشتري لي... ".  قال مدافعا" عن نفسه: " انت بحاجة إلى ملابس داخلية.. عذرا، فالقهوة تغلي".  اختفى في المطبخ، واقفل
الباب تاركا دولسي تتفحص الملابس الداخلية التي اختارها لها. كانت مخرمة ورقيقة من النوع الذي قد تنتقيه المرأة لتغوي زوجها، أو يختاره الرجل ليراه على امرأته.  واسكنت دولسي افكارها بسرعة. لكن ما لم تستطع إبعاده، كان طريقة ابتعاده وكأنه خجل.
 بحثت أكثر في الأكياس، فوجدت ثوب القطن وكان على عكس الثياب الداخلية، محتشما جدا.  رفعت رأسها عندما سمعت باب المطبخ ينفتح، وهو خلفه يدعي الخوف.  قالت ضاحكة: " أوه... تعال".  قال: " القهوة جاهزة.. هل
 سامحتني؟ "  انضمت إليه في المطبخ حيث وضع القهوة أمامها: " لست متأكدة.. كنت وقحا في شراء ملابس داخلية كهذه".  قال ببراءة: " لكنها اعجبتني".     - وكنت أكثر وقاحة بشرائك ثوب النوم هذا الذي يمكن
 لجدتي ان ترتديه.  قال ببساطة: " انت مريضة ومن الأفضل ان تظهري.. مثل جدتك وترتدي ثيابا دافئة... يجب ان تشعري انك آمنة".  قالت متأثرة: " أجل. افهمك. لطف كبير منك ان تفكر بسلامتي".     - شخص ماعليه ان يفكر بها.
 انت عالقة هنا مع رجل سيئ، وقد اضعفك المرض. ولا أحد يحميك لو صرخت طلبا للمساعدة.   - ربما ليس رجلا سيئا.   - بل هو كذلك قطعا.. ويجب ان ترتدي ثيابا محتشمه لمنعه من الانغماس في أفكار مشينة حول..  والتقى نظرتها المتسائلة: ".. حول مظهرك في ثياب
 فاضحة... سأبدأ في تحضير الحساء".  التوت شفتا دولسي.. ولم يخدعها هذا الارتباك الطفولي الظاهر.. لكنها كانت ممتنة للطريقة التي اطراها فيها.  قالت: " لكنني لن ابقى هنا طويلا ويمكن ان اعود إلى الفندق بعد تناول الطعام".
: لا اعتقد هذا.. فأنت لست بصحة جيدة بعد، وستأتي الطبيبة لتراك اليوم.. انت تشعرين بالقوة الآن. لكن ذلك لن يدوم طويلا.  في الواقع، كانت قواها قد بدأت تخور، وحين وضع الحساء امامها تناولته بكل سرور مع الأرز والبازيلا المطهوة بإتقان ثم عادت إلى الفراش لتجده مرتبا، وقد
 تغيرت مفارشه وارتدت ثوب الجدة واندست تحت الأغطية بامتنان.  حين استفاقت هذه المرة وجدت الدكتورة فاليني تدخل الغرفة لتوها.  قالت بعد ان تفحصت دولسي: " أجل.. تبدين أفضل.. لكن ارتاحي ليوم اخر. في الغد يمكنك الخروج
 لكن لفترة بسيطة فقط، وانتبهي من الشمس".  قالت وهي تشعر بعقدة الذنب بعد رحيل الطبيبة: " انا حقا بصحة جيدة. يمكنني ان اعود إلى الفندق".  رد على الفور: " لا. يجب ان تبقي هنا حيث استطيع ان اعتني بك.. في الفندق لا يوجد سوى الخدم.. ولن
يهتموا لأمرك".  كشرت قائلة: " لو كافأتهم بما يكفي سيهتمون".     - أوه... أجل... وهل هذا النوع من الاهتمام يكفي؟  هزت رأسها نفيا  فأضاف: " إضافة إلى هذا.. انا لا أثق بك".
ارجو عفوك؟   - سترتكبين الحماقات في غيابي، لذا ابقي هنا حيث استطيع مراقبتك.. وانا لا اريد مكافأة.   - حسن جدا.. سأترك الأمور على حالها الآن.. وسأذهب غدا   - ستذهبين حين اقول لك.   - حاضر سيدي! هل استطيع




أحدث أقدم