الراقـصة والإستقراطي ( الجزء الأول ) \ رواية عربية


 صاحت "اديليد بيشوب" بصوت يرتجف غضبا:   - "راقصة ستربتيز يا دانيال! انها راقصة ستربتز!   - ممثلة يا امي وليست راقصة ستربتيز صحح لها ابنها قولها بهدوء وهو شارد الذهن موزعا انتباهه بين
 طبق البيض والقسم المالي من جريدة الصباح المطوية بعناية بجوار طبقه.   - واثار اعصاب "اديليد" عدم رد فعله لهذا الخبر المفزع الذي ادلى به المشارط لهما الفطور والغائب وقتها فردت ثائرة:   - ممثلة تقوم بادوار الاستربتيز لا يمثل هذا فرقا لدي. فكونها تتجرد من ثيابها
 امام الجمهور لا يمكن ان تسمي ذلك تمثيلا ولا عجب ان ينتهي بها المطاف إلى مسرح حقسر فلا يمكن لمدير مسرح محترم ان يقبل مثل هذه الحثالة.   - وازداد وجهها المتعالي النحيف والذي لا تدل نعومة بشرته على سيدة تجاوزت الستين تجهما حين لم يوافقها ابنها على الفور
صاحت به:  "دانيال "اتسمعني؟  بالتاكيد اسمعك يا اماه ورماها بابتسامة من تعود الصبر وزادت ابتسامته الخلية من أي تعبير من وسامة وجهه المتناسق الذي تتميز ملامحه بتلك النظرة الغامضة من عينيه الزرقاوين المشرقتين تحف بحاجبين
داكنين وشعر منسدل على صدغيه اختلط بياضه بسواده معطيا منظرا شيطانيا يحذر من يميل إلى الثقة به انه ليس دائما في الجانب الملائكي.     - ولكنك لا تبدو مهتما اتريد ان ترى ابن اخيك يتزوج من امرأة تنزع ملابسها من أجل المال؟
وكاد ان يذكرها متهكما اليس الزواج ما هو الا شراء مزايا امراة لقاء مكسب مادي خاصة في محيط اسرته؟ ولكنه اثر السلامة واكتفي بالقول:   - بالتاكيد لا ولكني اراك سابقة للحوادث في قلقك من ناحية الفتاة   - سابقة للحوادث؟ لقد طلبت يدها يا "دانيال حتى
قبل ان يقدمها لنا ثم انها ليست فتاة ولكنها امراة تكبر "تود" بثلاثة أعوام وربما عشرات من الخبرة وبالتاكيد كان التكتم في علاقتهما فكرتها هي ف"تود" ليس بهذا الخبث ابدا. لقد هام بها حتى صار اللعوبة في يدها! ثم لماذا يفجر هذا الآن؟ لاذا يدعوها إلى عطلة نهاية هذا الأسبوع بالذات؟ انا اقول لك
يا "دانيال" انها محاولة مكشوفة لابتزازنا فكجرد ظهورها في حفلة خطبتك كضيفة على الأسرة يجعل القوم يعتقدون انها قد قبلت اجتماعيا ان ضيوفا على أعلى درجة من الاهمية والتأثير سيحضرون مساء غد فماذا اقول لهم عنها؟ هذه هي "كات" راقصة ستربتيز خطيبة حفيدي؟ اتتصور مدى
 المهانة؟   - ويعلم الله كم ستخوض الصحافة في الأمر وكم من بذاءات ستنبشها عنها لقد سمعت ما قال انه لا يعرف اصلها ولا يهمه ذلك حتى اسمها ينبئ عن عدم الاصالة ويتصور "تود" انني سوف ارحب بامراة سوقية لتشاركنا منزلنا!   - وقال "دانيال" وهو ينظر
 بامعان إلى ساعته الذهبية المعلقة بصدرية حلته ذات طراز الزي البحري وذهنه مشغول تماما بخطة يومه:   - انا متاكد انه يدرك ذلك لقد ذهب ليخبر "شارون" اليس كذلك؟ ربما خيبة امل والدته يكون لها اعتبار لديه أكبر من أي قول   - وشاحت "اديليد" بيدها المجعدة لذكر سم زوجة ابنها:
اوه "شارون" انها لا تأثر " لها على ابنها اطلاقا فطوال عمرها وهي رقيقة معه ضد مصلحته بل لعلها تقول انها متشوقة للقاء تلك الفاجرة لكنها بالتاكيد ستساندنا في أي تصرف نقوم به   - بالتاكيد لا بدّ من امراة أو رجل على قدر من الشجاعة ليعرض صراحة رغبات أو اعتراضات " اديليد" ولذا فلا
 يتصور "دانيال"ان"تود " جاد في الزواج من فتاه مرفوضة تماما من اسرته لقد ورث بعضا من رقة والدته وعقلية والده المالية وهو يميل للتعايش أكثر من المواجهة ولا عجب ان تلقي "اديليد" باللوم على الفتاة لهذا الموقف رغم انه ليس من لمؤكد انها قد خططت لاصطياد زوج ثري وطوى صحيفته وهب
 واقفا:   - حسنا لا شك لدي في سلامة ما تقررين بالمعالجة الموقف يا امي فهذا شامك دائما   - وانحنى ليقبل الجبهة الناصعة تحت الشعر الفضي المصفف ببراعة واثقا من انه يترك الامور العائلية بين يدين ماهرتين في التخطيط فليست هي أول مرة تواجه
: فيها "اديليد" التهديد من تشقق وحدة العائلة من طبقة ادنى خارجها   - بالمناسبة ان لدي موعدا في وقت متاخر عصر اليوم    - ثم التقط حقيبة مستنداته من على الكرسي المجاور واتجه لباب غرفة الفطور المفتوح والذي تتسرب منه اشعة شمس الصباح فتدفئ الغرفة الصغيرة ولذا فلا
تتوقعي حضوري قبل الساعة السابعة والنصف   - ولكنك ستكون هنا على العشاء يا"دانيال" اريد ان تتاكد هذه المرة انه ما من سبيل لها لابتزازنا حتى نقبلها في عائلة "بيشوب"    - ودلف "دانيال "للكرسي الخلفي للمرسيدس بعد ان هز راسه مبتسما لماسك الباب له وهو يشعر بإشفاق على ذلك
لممثلة ذات نزعة التسلق الاجتماعي وسواء كانت فاجرة خبيثة مليئة بالطموح أو محبة حقيقية تبغي الاقتران بفتى احلامها فهى ليست ناد ل"اديليد" فأسلحته الاصطياد في الشوارع تختلف عن المستخدمة في مجتمع مهذب و"اديليد بيشوب" خصم صعب المراس يخشاها حتى الاثرياء
والواثقين من انفسهم من بني طبقتها.   - وتنهد وهو يقلب الاوراق التي نثرها على ركبته فالعشاء سيكون مملا ولكنه كراس العائلة لا يمكنه ان يتهرب من مسئولياته ان عليه ان يظهر الارهاق القاسي والمتمدين المتميز به فعشر سنوات من التنقل في داخل المؤسسات المالية
ل"نيوزيليد" قد شحذت موهبة "دانيال" في اخفاء قسوته تحت ستار من الوسامة تخدع خصمه إلى لحظة الوقوع في الشرك وبفضل طموحه ومهارته في لعبة القوى أصبح بنك"ركس- بيشوب" زيادة لم تشهدها من قبل ولو حدث قبلت صديقة ابن اخيه الخروج من حيات فسوف يكون لقاء المال
 وعلى اسواء الفروض سيكون الثمن باهظا وعلى احسنها ستكون مجرد فتاة ساذجة مغامرة وعلى كلا الفرضين فالامر لا يشغل باله   - زامت "كاثلين" وهي تتمطى بجسدها بعد الترجل من السيارة الفارهة ثم تنحني مستندة أي مقدمتها لتشبع نظرها من المنزل المائل امامها بل هو للقصر أقرب
وانفرج فمها عن ابتسامة ترقي ثلاثة طوابق من طراز استعماري رائع محاط بمرج اخضر مترامي ارجاء ويحجبه عن المارة والجيران المتماثلين في الثراء سياج الاشجار الباسقة والشجيرات المتشابكة وقد تناثر الحصى الأحمر الذي بعثرته السيارة الفارهة في سيرها على الممر المؤدي لسلم مرمري عريض
 يؤدي بدوره إلى باب خشبي ضخم أجزاؤه المعدنية من النحاس الأحمر وصفوف النوافذ الثلاثة ذات المصاريع الزرقاء تمتد على كلا الجانبين تدل على ان داخل المنزل لا يقل عن خارجه انساقا كان مظهر المنزل يوحي بصفاء اخاذ جعل "كاثلين" تتساءل ان كان قاطنوه يماثلونه في الصفاء
واقترب منها "تود بيشوب" حاملا حقيبتها الخفيفة القديمة إلى حد ما وعلى يده جاكيت جلد ذات الطع الثلاثة وسالها:   - هل اعجبك؟ فمالت براسها متفكهة وقالت:   - ليس في مستوى الثامن والثلاثين من شارع "ستانتون" ولكن لا باس به لعطلة الأسبوع
ضحك "تود" كام مسكنها الذي تشترك فيه مع اربعة من اصحابها حسبيا وباللون الأبيض والى هنا ينتهي تشابهه مع منزله صاحب المنزل الذي يملك عدة منازل في نفس الشارع ضنين باي مبلغ للعناية بمنازله إذ يامل في يوم في ان يبيعها انقاضا بمبلغ كبير ومع ذلك فالصداقة التي تجمع قاطني المنزل رقم
ثمانية وثلاثين هي اروع ما صادفت "كاثلين" طوال الثلاثة ولعشرون عاما هي كل عمرها   - وقالت حين لم يسبقها للمنزل:   - هل ندخل الآن؟ أم ستضرب لي خيمة في المرج وتشوه تناسق البيت؟    - وغادرت ابتسامته وبدا عليه شيء من الضيق
واخفت هي ابتسامتها لو كان نادما على دعوتها فهذا شأنه فهي لن تعود ادارجها فهي تمني نفسها منذ اسبوعين بالرفاهية التي ستلقاها في تلك العطلة أو اطلاع لها على حياة الجانب الاخر   - أ. "كات" هناك أمر.    - هناك من يراقبنا    - ماذا؟ وقفز مستديرا ثم ارخى كتفيه العريضين حين
 راى الرجل الذي فتح الباب على السلم   - اه انه "سيث"   - كبير الخدم؟ لا يبدو كذلك واتجهت بخطوات رشيقة متجهة للرجل المرتدي حلة تقليدية يراقبها بعينين قلقين يشع منهما الذكاء   - واسرع "تود" ليلحق بها:   - حسنا انه اسمي من ذلك ولكن انتظري دقيقية يا
 "كاثي" اريد ان اقول لك شيئا    - وتوقفت مبتسمة له ومدركة سبب توتره:   - اطمئن يا "تود" لن أشينك انت تعلم انه بامكاني التعامل مع المجتمعات المهذبة فهي لم يفتها انه على مدى الشهرين من علاقتهما أو اصدقائه ولم تستاء لذلك بل وجدته امرا مسليا مدركة ان
 تصرفه كان بدافع الحماية لها وليس التعالي عليها وادرك خلال هذه المدة مدى قوة شخصيتها وانه يمكنها التعامل مع اية صحبة مهما كان رقيها.   - بل ان ما كانا عليه من اختلاف هو ما شد"تود" اليها اساسا كانت تختلف عن الطراز التقليدي للعنصر النسائي المحيط به من
طبقته الاجتماعية كان قد تخرج منذ عام بتفوق في دراسة الاقتصاد ويشق طريقه بثبات في البنك الذي تمتلكه اسرته وقد اعجبت به كشاب يعرف طريقه جيدا وكانت دعوته لها تلطفا منه بقدر ما فيها من إدارة للحيرة فهو شاب متحفظ رغم ماهو عليه من لطف وفتاة مثلها ستكون عقبة في طريق
مستقبله كما انه ليس من الشباب ذوي النزوات رغم تمتعه بمباهج الشباب.   - ولكنها من جهة أخرى لم تدهش باصراره على علاقته بها فهي محط اعجاب الرجال منذ ان تفجرت انوثتها وهي في الرابعة عشرة من عمرها ولم يكن اسمها مشتقا فقط من لون بشرتها الاسمر الضارب للصفرة أو شعرها
 الأحمر العسجدي ولكن من رقتها وميلها لاخذ الحياة بسهولة تجعلها شبه بالقطط الانيقة ولكن مع ما للقطط من استقلالية تحيط بها رغبات الكثير من مطارديها الذين يظنون ان جسدها المتفجر بالانوثة وروحها الميالة يعنيان امراة تفتح ذراعيها لكل راغب    - واسرع "تود وهما
 يستأنفان ارتقاء الدرج:   - بالتاكيد يا"كات" ولكنك.    - و إذا ما واجهني موقف افحمني الجأ فورا إلى التمثيل اليس كذلك؟ ورمته بابتسامة فجرت فيه ابتسامة باهتة ف"كات" ممثلة تجيد تقليد من الطراز الأول تراقب شخصيا لمدة عشر دقائق ثم ترتدي جلده على الفور وكم اخرجت نفسها من مواقف
 محرجة بتحويلها إلى مشهد فكاهي بتقليد أحد الحاضرين أو شخصية من ذاكرها وكان هذا جزءا من الاستقلالية الهائلة التي تتمتع بها   - كانت. وقطع صوته المتخاذل صوت الاكثر ليلا من رئيس الخدم   - مستر "تود" لقد كانت مسز"بيشوب" في انتظاركما منذ فترة طويلة لتناول شاي
 العصر    - واجابه "تود" بابتسامة عصبية:   - نعم اعلم لقد تعطلنا وناوله الحقيبة   - انه يعني انني قد عطلته فساعتي البيولوجية متاخرة دائما خصوصا أيام الجمعة    - أ. "سيث"هذه"كات كندون". ضيفتي. لنهاية هذا الأسبوع
انسة "كندون" ولم تصرح عيناه العسليتان باي شيء و هما تنظران للفتاه الحلوة التي تبتسم له بعينين ناعستين. لم تكم خطيبة "تود" المتوقعة تضع ذرة مساحيق على وجهها أو أي اثر لاحمر شفاه على فمها الواسع المكتنز ورغم ذلك كانت رائعة الجمال فارعة الطول اطول بعدة بوصات
رفيقها وهي تلبس صندلها المسطح.   - جدتك في انتظاركما فهي لا تزال في غرفة الجلوس يا مستر"تود" وساخذ حقيقة مس " كندون" للغرفة الوردية    - شكرا هيا بنا يا "كات" لنراها قبل ان تبدل ثيابها للعشاء. وجرها من شمس الاصيل إلى مدخل المنزل



أحدث أقدم