يوم سقط القناع ( الجزء الثالث ) | رواية عربية


حجارة البندقية ليست لطيفة على هذا الحذاء.  ابدت الخجل، وسألت: " لم يكن من الذكاء ان ارتدي مثل هذا الكعب المرتفع اليس كذلك؟ لكنني اعرف ان البندقية تختلف عن أي مكان اخر في العالم. ولم اجد أحد يقول لي شيئا".  قال متعاطفا: "هذا فظيع.
 وان تكون شابة جميلة لوحدها هو أمر مخجل دائما. ولكن لوحدها في البندقية. هذه جريمة ضد الطبيعة".  قال هذا بأناقه شديدة. ومن حسن حظها انها كانت مستعدة سلفا.     - من الافضل ان اعود إلى الفندق لابدل الحذاء، قبل ان
يحصل لي حادث آخر.  واحست ان اصابعه لا زالت ملتفه حول كاحلها: " هل تسمح؟ "  أبعد يده: " سامحيني. هل لي ان آخذك إلى الفندق؟ "     - لكنني كنت اظن ان قوراب الغندول تقوم فقط بجولات سياحية؟
صحيح لكن، في مثل حالتك، احب ان اقوم بشيء استثنائي ارجوك.  ومد لها يده. فوضعت يدها في يده ووقفت، ثم تركته يساعدها لتنزل السلم إلى الماء.  قال: " اجلسي هنا".  واستقر في المقاعد الخلفية، وكان هذا ترتيبا يسمح له
 برؤية وجهها،  وقال بسرعة: " من الافضل الا تجلسي في المقدمة. في مثل هذه الساعة تكون الشمس قوية وقد تشعرين بدوار البحر".  وافقت: " سأفعل ما تقول تماما".  وناسبها، ان تتمكن من الاستلقاء إلى الخلف وان
 تمدد ساقيها الطويلتان الملتفتين بالحرير امام نظره.  وتطلعت دولسي بعجب. وبدأت تفهم لما هذه المدينة متخلفة عن سواها. وفكرت: انه رجل ماهر. واذكى من ان يفسد تلك اللحظات بالكلام. وحده صوت المجذاف كان يكسر الصمت. وبالتدريج، استولى عليها الوهن. وبدأت البندقية تسحرها، وتجبرها
 ان تنسى كل شيء وتطوف في هذا الجمال.  تمتمت: " هذا عالم آخر. وكأنه شيء هبط إلى الأرض من كوكب مختلف".  دخلت عينيه نظرة مكبوته، وقال: " أجل. هكذا هي بالضبط".  وتذكرت فجأة ان هذا ليس سبب وجودها هنا. فوظيفتها
 هي ان تعمل على هذا الرجل الواقف امامها.  تفرست به، وفهمت لماذا تجده فتاة ساذجة مثل جيني، لا يقاوم. فقد كان طويلا، ويتمتع بقوة احست بها حين ساعدها في النزول إلى مركبه. وكان يدير المجذاف الثقيل وكأن لا وزن له، ويتحرك معه، وكأنهما شريكان في الرقص.
 وخرجا إلى قناة أكثر اتساعا. وفجأة، وقعت اشعة الشمس عليه. ورفعت دولسي رأسها، ووضعت يدها فوق عينيها تحميهما من الشمس، وعلى الفور خلع قبعته القش ورماها لها قائلا:     - ضعي هذه، فالشمس قوية.  اعتمرت دولسي القبعة،
 واستلقت إلى الخلف تتمعن بوسامته وكم كانت عيناه زرقاوين، وكيف كانتا تتجعدان بشكل طبيعي حين يبتسم. وهو يبتسم بسهولة بحيث لم تستطع سوى ان تنضم إلى ضحكه.  سألت: " هل نكاد نصل؟ "  سأل: " نصل؟ إلى اين؟ "إلى فندقي.   - لكنك لم تقولي لي أي فندق.   - وانت لم تسألني. فكيف لنا ان نعرف اننا نذهب في الاتجاه الصحيح؟  هز كتفيه باناقه، وكأنه يسأل: هل يهم؟  ولم يكن مهما. واستجمعت دولسي نفسها. من المفترض
 ان تقول له اسم الفندق، وتعلن عن "ثرائها". وبدلا من ذلك تمتعت بسحر رفقته ولمدة. ساعة؟  قالت بحزم: " فندق فيتوريو"  ولم يكن لديه أي ردة فعل. فالغاوي الخبير أكثر حكمة من ان يظهر التأثر.  قال: " انه فندق ممتاز آنستي. وآمل ان تكوني تستمتعين
 به"  قالت بعفويه، لتوصل الفكره: " حسنا. الجناح الامبراطوري ساحر، ولكنه مربك قليلا".     - وحزين جدا لسيدة لوحدها.   - هل تعرف الجناح الامبراطوري؟  قال غويدو بغموض: " لقد
رأيته من الداخل.  قال: " حين يصل اصدقاؤك، ستشعرين انك أفضل حالا".     - لا انتظر احدا. فأنا اقضي هذه العطلة لوحدي.  كانا يقتربان من مرسى فندق فيتوريو، ومد يده يساعدها على النزول إلى اليابسة، وسألت: " كم انا مدينة لك؟ "
 لاشيء   - لكن، بالطبع يجب ان ادفع. لقد اخذت ساعة من وقتك.  كرر: "لاشيء".  واحست بيده تشتد على معصمها     - ارجوك. لا تهينيني بالمال.
 وكانت عيناه تأسران عينيها، وتأمرانها ان تفعل ما يتمنى.  قالت ببطء: "انا لا اقصد إهانتك. الأمر فقط. ".     - الأمر فقط ان المال يدفع ثمن كل شيء. لكن فقط إذا كان هذا الشيء للبيع.  واكمل باهتمام شديد: "لا تبقي لوحدك في البندقية.
فهذا أمر سيئ"     - ليس لدي خيار آخر.   - لكن لديك خيار. دعيني اريك مدينتي.   - مدينتك؟   - انها لي لأنني احبها واعرف طرقها عن ظهر قلب. واود ان تحبيها انت كذلك.  كانت على وشك ان تتفوه برد
 عابث لكن الكلمات لم تخرج من فمها. وكان لديها شعور انها على حافة نقطة لا رجوع عنها.  قالت ببطء: "انا لا أظن انني يجب ان اقبل"  رد بلهفة: "بل اظن انك يجب ان تقبلي".     - لكن.
 اشتدت يده مجددا على يدها اخذت نفسا حادا. وقالت: "أجل"     - سألقاك في الساعة السابعة عند انطونيو خلف تلك الزاوية.   - وارتدي حذاء السير.  راقبته وهو يبحر بعيدا ثم صعدت إلى جناحها مسرورة
الوقت الذي ستقضيه وحدها لتجمع افكارها.  لم يكن الأمر سهلا، ففي بضع لحظات ملتهبة، اخذ كل افكارها ورماها في الهواء لتتساقط حولها بغير انتظام. ولزمها تركيز عليه لتستعيد افكارها من تأثيره لكنها احست انها تمكنت من هذا اخيرا.
: ابتعد غويدو عن الفندق بسرعة قبل ان يلمحه أحد ويتعرف إلى هويته الحقيقية وفي بضع دقائق كان قد ترك وسط المدينة خلفه متجها إلى "الشوارع" الخلفية الصغيرة في القسم الشمالي من البلدة حيث تقيم عائلات اصحاب المراكب.  في منزل أسرة لوتشي وجد فيدريكو هناك يشاهد مباراة
كرة قدم على التليفزيون ودون كلمة اخذ زجاجة مرطبات من البراد وانظم اليه ولم يتكلم أي منهما إلى ان انتهى الشوط الأول ثم وكما يفعل دائما وضع غويدو المال الذي كسبه على الطاولة وضاعفه بمال من جيبه.  قال فيدي بامتنان: "كان لي يوم جيد.اليس كذلك؟ ".
 ووضع المال في جيبه متثائبا     - ممتاز. انت مثلنا الأعلى جميعا   - مع مثل هذا المال اعتقد اني استحق إجازة.  ودعك غويدو ذراعيه المتألمتين: "انا من يستحقها"     - ربما حان الوقت لتعود إلى
تجارة التذكارات   - كان غويدو قد أسس لنفسه عملا خاصا به يقدم الخدمات إلى السواح وكان يملل مصنعين على جزيرة "مورانو"احدهما يصنع الزجاج والآخر الحلي الصغيرة والتذكارات.  وقال دون حماس: "اعتقد هذا، لكن المسألة انني. فيدي، هل وجدت نفسك يوما تفعلشيئا لم تكن تقصد ابدا فعله. كلمة. خيار تتخذه في جزء من الثانية؟ وفجأة تتغير حياتك كلها؟ "     - بالتأكيد.حين التقيت جيني.   - ولم تعرف كيف سينتهي الأمر. لكنك تعرف انك يجب ان تتابع لتنكشف؟
: هز فيدي رأسه: "هكذا هو الأمر بالضبط".     - إذن ماذا افعل؟   - يا صديقي. لقد تفوهت بالرد.انا لا اعرف ماذا حدث لكنني اعرفا ن الوقت قد فات لتراجع.  القرار المهم يلزمه تفكير طويل مترو وجاد لذا حين
فتحت دولسي الخزانة الملكية لتختار شيئا مناسبا للأمسية القادمة، فتشت في الفساتين المتعددة بعناية كبيرة وتمتمت: "كيف اشتريت كل هذا؟ "  كانت قد ذهبت إلى محلات "فيلدهام" كما قيل لها ووجدت الموظفين مستعدين لتلبية مطالب روسكو ولأن مطالب روسكو كانت
: ستجعلها تبدو كزينة شجرة الميلاد، تخطتها واصرت على اناقتها الخاصة وبعد تجربة اربع قطع من الثياب توقفت لكن الموظفة الرفيعة المقام التي عينت لمساعدتها ابدت ارتياعها وتمتمت:     - لقد قال السيد هاريسون إن الفاتورة يجب ان لا تقل عن عشرين ألف
: عشرون ألف. فليرتدها هو إذن   - سيكون مستاءا جدا إذا لم تلبي ما يتوقعه. وقد يكلفني هذا عملي.  هكذا أصبح من الواجب صرف المال وحين غادرت دولسي المخزن الفخم كانت تملك خمسة من فساتين كوكتيل ثوبين رائعين للسهرة ثلاثة بنطلونات جينز من
: تصميم فاخر وعددا لا يحصى من الكنزات وجبل من الملابس الداخلية الحريرية والساتان. مع مجموعة من الفساتين الصيفية وبعض أدوات الزينة الفاخرة والعطور إضافة إلى عدد من الحقائب.  وتطلعت إلى مغانمها معلقة في خزائن الفندق الفخمة المبردة، بمزاج ساخر كئيب
: لماذا قبلت هذه المهمة في هذا المكان حيث كل منظر وكل صوت سيؤلمها. هل هي مجنونة؟  ثم رفعت ذقنها، فهذه فرصة لتجعل رجلا يدفع ثمن جرائمه ضد النساء ولا يجب ان تنسى هذا.  واخذت وقتا طويلا لتختار، حتى انها كانت قد تأخرت
حين اسرعت تنزل السلم وهي ترتدي فستانا من الحرير الأزرق وحذاء فضيا، منخفضين الكعبين وكان هذا أقرب شيء "للمعقول".  كان " انطونيو" مطعما صغيرا تظلله تعريشة متدلية الأوراق. وبدا المكان ساحرا. لكن ينقصه شيء. هو!  لا بأس، قد يكون في الداخل
 ودخلت تنظر بعفوية لكنها لم تجد له اثرا.  لقد خدعها! وهذا هو الشيء الذي لم تفكر به.  كوني واقعية. ربما تأخر الوقت بضع دقائق. مثلما تأخرت انت.  وردت على نفسها بارتباك، هذا امر مختلف من المفترض انه يحاول إغوائها ولا يمكن
ان يزعج نفسه ليفعل هذا بطريقة مناسبة.  شدت على فكها وخرجت لتصطدم برجل يندفع عبر الباب من الجهة الأخرى  انفجر غويدو بارتياح حار: "يا إلهي. ظننت انك خدعتني ".     - انا.   - ظننت انك غيرت رأيك.
: وكنت افتش عنك.  احتجت: " لم اتأخر أكثر من عشر دقائق"     - عشر دقائق؟ شعرت انها عشر ساعات لقد ادركت فجأة انني لا اعرف اسمك وربما اختفيت لكنني وجدتك الآن.   - وامسك بيدها: "تعالي معي"
: كان يسير مبتعدا وهو يجرها من وراءه، قبل ان تتمكن من ان تقف وتفكر انه مرة أخرى قلب ادوارهما فهو الآن من يعطي الاوامر لكنها لحقت به متشوقة ان ترى إلى اين يقودها وراضية بشكل غريب برفقته.  كان قد غير ثياب العمل وارتدى بنطلون جينز وقميصا ابيض احاطه بجوّ من الاناقة
وابرز اسمرار بشرته  قالت: " كان يمكن ان تجدني بسهولة. فأنت تعرف فندقي"     - مؤكد.ادخل إلى فيتوريو واقول إن السيدة التي تنزل في افخم جناح لديهم لم تأت إلى الموعد فهل يتفضلون بإخباري عن اسمها؟ ثم اعتقد انني يجب ان اهرب قبل ان
: يرموني إلى الخارج فهم معتادون على التعامل مع المحتالين.   - سألت باهتمام: " وهل انت محتال؟ "   - سيعتقدون هذا بكل تأكيد إذا قلت لهم تلك القصة، والآن إلى اين نذهب؟   - انت من يعرف البندقية.   - ومن اعماق معرفتي الخبيرة اقول اننا يجب ان
: نبدأ بتناول المثلجات  ردت على الفور: "أجل. ارجوك".  فتناول المثلجات يجعل منها طفلة من جديد وابتسم لها باتسامة صبيانية.     - تعالي.  وقادها عبر الأزقة الضيقة
حيث تكاد الأبنية القديمة تتلامس فوق الرؤوس والمراكب تمر تحت الجسور.  قالت بذهول: "كل شيء هادىء"     - هذا لعدم وجود السيارات   - طبعا.  ونظرت حولها: "لا مكان للسيارات لتسير"
 برضى عميق: "هذا صحيح تصل السيارات إلى المدخل الرئيسي ثم ينزل الركاب ليسيروا وإذا لم يرغبوا في السير يركبون قاربا، لكنهم لا يدخلون سياراتهم المتسخة إلى مدينتي"     - مدينتك؟ انت تقول هذا
: باستمرار.   - كل بندقي اصيل يتكلم عن البندقية على انها مدينته ويدعي انه يمتلكها، ليخفي واقع انها تمتلكه، إنها أم متملكة لا تتركه ابدا واينما ذهب في العالم فهذا المكان المكتمل يذهب معه ويتمسك به، ويعيده.  اخذها إلى مقهى صغير قرب القناة واستدعى النادل،
 وتحدث معه بلغة لم تتبينها دولسي وقام بإيماءات كثيرة وهو ينظر لها بخبث  سألت بعد ان اصبحا وحدهما: "هل كنت تتكلم الإيطالية؟ "     - لهجة البندقية المحلية.   - بدت لغة تختلف عن الإيطالية   - نحن نتكلم الإيطالية
: والإنكليزية لأجل السواح لكن بين انفسنا نتكلم لهجتنا لأننا بندقيون.  قالت مفكرة: "كأنكم من بلد آخر"     - بالطبع. فقد كانت البندقية يوما جمهورية مستقلة وليس مجرد مقاطعة من إيطاليا وهذا هو فخرنا ان نكون
 بندقيين اولا وقبل أي ولاء آخر.  وبدأت تراقبه، متلهفة لسماع المزيد.لكن، ظهر النادل فجأة، فصمت ووعدت نفسها ان تعيده إلى هذا الموضوع فيما بعد.  وضع النادل على الطاولة طبقين من المثلجات بالفانيليا والشوكولا.
 قال: " طلبت الشوكولا لأنها المفضلة عندي".     - ولنفترض انها ليست المفضلة عندي؟   - لا تقلقي. سأنهيها عنك  ضحكت ضحكة مخنوقة ثم كبتتها متذكرة الدور المتباعد الذي من المفروض ان تلعبه لكنها، اخطأت بلقائها عينيه،
 اللتين تحدتاها ألا تضحك، فاستسلمت.  قال: " والآن اخبريني، اسمك".     - دولسي.   - دولسي فقط.   - اللايدي دولسي مادوكس.  رفع حاجبيه: "ارستقراطية؟ "
 ارستقراطية غير عظيمة الشأن.   - لكن لديك لقب؟   - اللقب لوالدي، انه كونت.  واستولت على وجهه نظرة غريبة وردد ببطء: "كونت؟ انت ابنة كونت؟ "     - وهل يهم هذا وكان له ا انطباع انه استجمع نفسه وقال: "بالطبع انت لم ترغبي في قول هذا لي وانا افهم".  سألت: "وماذا تفهم؟ "  هز كتفيه.     - دولسي تستطيع ان تفعل ما تريد، لكن اللايدي دولسي لا تستطيع ترك سائق غندول


أحدث أقدم