يوم سقط القناع (الجزء الثاني) | رواية عربية


 واخرج الكونت صورة تظهر غويدو في لباس سائق الغندول يغني لفتاة جميلة سوداء الشعر، بينما يجلس خلفهما سائق اخر.  وصاح بصوت اجش: " ابن اخي. كونت كالفاني المستقبلي. يتصور بقبعة من القش".  وافق غويدو: " انها غير
مشرفة. وانا الطخ اسم العائلة. ويجب عليك الزواج بسرعة، وانجاب صبي، وحرماني. وتقول الشائعات انك ما زلت نشيطا كما انت دائما. لذا لن يكون. ".     - اخرج من هنا إذا كنت تعرف صالحك!  وهرب غويدو بارتياح متسللا
عبر الشوارع الصغيرة المظلمة. وعندما وصل إلى النهر، كان الفتى صاحب الوجه الطفولي الذي في الصورة واقفا يغني بصوت جميل مرتفع تناهى إلى غويدو عبر الماء. ومع انتهاء الاغنية تعالى التصفيق، واتجهت القوارب إلى مرساها.  انتظر غويدو إلى ان ساعد
 صديقه، فريدريكو لوتشي، وآخر راكب لينزل قبل ان يناديه.     - هاي انت. فيدي. لو سمعتك الفتاة الانكليزية تغني هكذا للحقت بك حتى اقاصي الأرض.  وتأوه فيدي، فاكمل غويدو يسأل: " ما الأمر؟ الم تعد
 تحبك؟ "     - جيني تحبني. ولكن والدها قد يقتلني قبل ان يسمح لنا بالزواج. انه يعتقد انني اسعى وراء مالها فقط لكن هذا غير صحيح، لانني احبها. يوم التقيت بها، الم تعتقد انها رائعة؟ "  قال غويدو بدبلوماسية
 تخفي رأيه بأن جيني دمية جميلة ينقصها الروح في شخصيتها: " رائعة".  هو يفضل امرأة تستطيع ان تكون تحديا له، وتقوده في دوامه، وتعطيه أفضل ما تستطيع. لكنه الطف من ان يقول هذا، بل قال بحرارة: " انت تعرف انني سأساعدك باي طريقة ممكنة".
قال فيدي: "لقد سبق وساعدتنا كثيرا، وتركتنا نلتقي في شقتك، وناوبت عني في عمل الغندول. ".     - هذا لاشيء. فأنا استمتع به، ودعني اعرف متى تريدني ان افعل هذا ثانية.   - لقد عادت جيني إلى انكلترا. وتقول انها ستقنع ولدها لكنني اخشى الا تعود.
إذا كان الحب حقيقيا، ستعود.  صاح فيدي ضاحكا: " وماذا تعرف انت عن الحب الحقيقي؟ بالنسبة لك انه موجود اليوم وغدا يرحل، وإذا ذكرت احداهن الزواج، تذهب لتختبئ".  وبدا على غويدو الانزعاج: " اصمت! لعمي آذان في كل
 مكان. والآن تعال، دعنا ننضم إلى ليو وماركو في مقهى لويجي، حيث تنعم بالسلام".  بعد يومين، توجهت دولسي إلى البندقية لتحط في مطار" ماركو بولو" حيث انتظرت، في هالة من العظمة، بينما كانت حقائبها توضع في مركب سريع خاص بفندق فيتوريو.
 كانت شمس حزيران مرتفعه في السماء، واشعتها تنعكس لامعه فوق الماء، ومحاطة بالكثير من الجمال المشرق، فنسيت دولسي حزنها مؤقتا.  قال سائق المركب بفخر، يشعر به كل اهل البندقية نحو مدينتهم: "انظري إلى هناك سنيوريتا".  وظهرت المدينة امامها، انيقة
 ومكتملة، فخطفت انفاسها، وبقيت دون حراك، لا تريد ان يفوتها أي شيء من تلك المشاهد الساحرة.  وعادت دولسي إلى مقعدها، واستندت إلى الوراء، تنظر إلى فسحة السماء فوق رأسها. وبعد بضع دقائق عادا، يتجهان نزولا نحو قصر عظيم يعود إلى القرن السابع عشر. فندق فيتوريو.
 وامتدت الايدي من على الميناء، لتساعدها في صعود السلم، وتقودها إلى الفندق. ودخلت بفخامة، يتبعها حمّالو الحقائب تباعا.  قال صوت متعال انيق: " جناح الامبراطورة".  رددت دولسي برهبة: " الاميرا. هل انت واثق ان ما من خطأ في الأمر؟ "
: لكنها دخلت شقة ملوكية كل شيء فيها مصمم لتبدو مقرا لامبراطورة، بما فيه الاثاث القديم الذي يعود إلى القرن الثامن عشر، على أحد الجدران، كان هناك لوحة معلقة للامبراطورة الشابة اليزابيث، امبراطورة النمسا، رسمت في القرن التاسع عشر.  شهقت دولسي مذهولة بهذه
الفخامة. وظهرت خادمة، تستعد لافراغ حقائبها، وتذكرت اوامر روسكو ان "ترش"المال قليلا، وان توزع المكافأت الضخمة بما يكفي ليتكلم الناس عنها.  حين خرج الجميع، جلست بصمت، تحاول ان تستيقظ من صدمة وجودها هنا، لوحدها، بينما كان يجب ان تكون إلى جانب عريسها.
 واجبرت نفسها على مواجهة ذكرى سايمون، ولو انها مؤلمة. لقد افترض ان اللايدي دولسي مادوكس، ابنة اللورد مادوكس، لا بدّ ان تكون ثرية. فأمطرها بالحب والوعود حتى حلقت على بساط سحري، نسج من الامال والاحاسيس.  لكت البساط السحري سقط
 ارضا وسقطت هي معه. فقد عاش سايمون ببذخ، وكله على الحساب، كما اكتشفت فيما بعد.  كان قد اراها كتيب الدعاية لفندق فيتوريو ذات امسية حين كانا يتعشيان في "الريتز"وقال:" لقد حجزت جناحا لشهر العسل، في جناح الامبراطورة".
لكن، حبيبي. الكلفة.   - اين المشكلة؟ المال موجود لنصرفه.  وردت بحنان: " لست مضطرا لصرف الكثير من اجلي، فالمال ليس كل شيء".     - لا يا حلوتي. لكنه يساعد.  قالت، ولا تزال الذكرى تؤلمها:
هل تعتقد انني سأتزوجك من أجل مالك؟ انا احبك، انت. ولن يهمني لو كنت فقيرا مثلي".  كانت لا تزال قادرة على رؤية النظرة القلقة التي دخلت عينيه.     - انت تخيفينني. اليس كذلك؟ وهل انا فقير مثل
اللايدي دولسي مادوكس؟   - لا يمكنك ان تعيش من اللقب. انا معدمة.   - سمعت ان جدك انفق الكثير في السباق وفي يوم واحد.   - هذا صحيح. ووالدي مثله. ولهذا انا لا املك قرشا واحد.   - هيا. تابعي. انت تتظاهرين بالفقر.  اقنعته انها لا تتظاهر، وكانت
هذه آخر مرة تراه فيها، وآخر ذكرى لها منه، وهو يقول بمرارة: " هل تعرفين كم من المال صرفته عليك؟ ومن أجل ماذا؟ لكنني لن افعل المزيد".  ثم خرج غاضبا من " الريتز"وتركها تدفع ثمن العشاء.  في هدوء الجناح
 الامبراطوري، عرفت دولسي ان الوقت حان لتستجمع شتات نفسها. امامها الآن صائد ثروات آخر. ولكن، هذه المرة، هو الطريدة وهي الصياد، وستسعى وراءه لتثأر للنساء جميعا.  استحمت في حمام من الرخام والذهب. وغادرت الفندق ترتدي فستانا من الحرير البرتقالي اللون، مع
 سلسلة ناعمة من الذهب الخالص، وقرطين من الذهب. كانت تحتاج إلى ان تعطي التأثير اللازم، وبسرعة.  حين انتهت، نظرت إلى الصورة، لتتأكد من انطباع وجهه في دماغها. ولم تكترث بالولد ذي الوجهه الطفولي في مؤخرة الصورة. فها هو من تريده، يعزف الماندولين، واثقا من نفسه، ويبتسم
: لجيني، ولا شك انه كان يسحرها بكلمات معسولة. القذر!  إيجاد صاحب غندول من بين العديد كان مشكلة. لكنها جاءت مستعدة، فاستقلت أول مركب، وجلست في المقدمة، مسلحة بمنظار قوي.  لمدة ساعة راح المركب يقطع القناة من مرسى إلى آخر على
: كلا الجانبين، بينما دولسي تبحث عن مطلبها، من دون جدوى. وكانت على وشك ان تستسلم حين رأته فجأة.  كان المركب البخاري في طريقه للانطلاق من أحد المراسي، وتحركت دولسي بسرعة، وقفزت إلى البر في الوقت المناسب تنظر حولها بيأس، واختفى الغندول. ولكن لا بد انه في مكان ما
 إلى يسارها، وركضت إلى جسر صغير، ومرت من فوقه إلى زقاق مظلم آخر.  في نهاية الزقاق، كان هناك قناة صغيرة أخرى، وجسر آخر، وكان هناك غندول يتجه نحوها. لكن هل هو ذاته؟ وكان وجه سائقها مخبأ تحت قبعة من القش.  صرخت: " انتبه إلى رأسك.
 انظر إلى فوق! "  كان يكاد يصل إلى الجسر. وبعد لحظة سيكون الوقت قد فات. فاندفعت بيأس وانتزعت إحدى فردتي حذائها ورمتها من فوق الجسر، واصابت قبعته.  ونظر إلى الاعلى، فرأت وجه عازف الماندولين. عينان زرقاوان قاتمتان مجفلتان،
في وجه ضاحك، وبدتا انهما تقيمانها، وتمسكان بها، وتكادان تنومانها. بحيث وجدت نفسها ترد الابتسام.  قال غويدو كالفاني: " بون جورنو، بيلا سنيوريتا".
ساحر البندقية  ما ان خرجت الكلمات من فمه حتى اختفى تحت الجسر. وركضت دولسي إلى الجهة الاخرى وهو يبرز مجددا ويتجه نحو الشاطئ. القت نظرة سريعة إلى الصورة لتتأكد انها حصلت على الرجل الصحيح. أجل ها هو، يبتسم لجيني، ويعزف
 الماندولين.  لم يكن معه ركاب، وركضت عبر الجسر إلى حيث أوقف الغندول. ونادت: " انا آسفة جدا. لقد التوت قدمي ووقع الحذاء من فوق الجسر قبل ان امسكه. ثم ضربك على رأسك. ولن اسامح نفسي لو انك تأذيت". لكنني اصبت بالاذى. ليس في رأسي. بل.  وانحنى بلباقة ويده على قلبه. وهذا ما كانت تتوقعه. الفتنه الخبيرة. حسن جدا! انها مستعدة له.  كان قد توقف وقال: " لو جلست، فسأعيد هذا اليك بالطريقة المناسبة".  وجلست في أعلى السلم،
واحست بكاحلها بين اصابع قوية دافئة وهو يدس الخف في قدمها.     - شكرا لك. فيدركو.  اجفل قليلا: " فيد".     - انه مكتوب هناك.  واشارت دولسي إلى رقعة
 مثبتة قرب ياقته تحمل اسم فيدركو.  وقال غويدو بسرعة: " آوه. أجل. بالطبع".  كان قد نسي عادة والدة فيدي بخياطة الاسم على قمصان زوجها واولادها. لا يهم. سيقول لها ببساطة اسمه الحقيقي. لكنه تلهى بالاحساس بكاحلها الانيق
: داخل راحة يده. وحين رفع نظره وجدها تراقبه بنظرة متسائلة ابعدت أي شيء آخر من دماغه. وماذا تهم الأسماء؟  وسأل: " انت جديدة في البندقية؟ "     - وصلت اليوم.   - اذن، دعيني اقول ان




أحدث أقدم