احببتك اكثر مما ينبغي (الفـصل الثـاني) | رواية عربية


الفصل 5

لم يكن هناك من مجال لنتلقي في الرياض ، كدت أن أدفعك
إلى الجنون وقتذاك .. كنا قد اعتدنا أن نلتقي في كل يوم
قبل رجوعنا إلى الوطن ، وبات لقاؤنا محظورا ما أن وطئنا على أرض
المطار !.. كنت كمدمن انقطع عما كان يدمنه فجأة وبلا فترة
انسحاب .. كنت ثائرا عصبي المزاج . تطالب برؤيتي ليلا ونهارا
حتى بتنا لا نتحدث في موضوع عداه .. كنت تتبعني بسيارتك أينما
ذهبت ، تنتظرني فيها لساعات لتتبعني في طريق عودتي إلى المنزل ..
تنزل في كل مكان عام أقصده وتقترب مني وكأنك تخشى أن أهرب
أو أن أفلت منك .. كان بيت عمي قريبا من بيت أهلك ، في الحي
نفسه .. اتفقت معي بعد إلحاح على أن نلتقي في بيته .. وافقت على
ذلك خشية أن تفقد صوابك فتقدم على فعل أدرك جيدا بأنني
وحدي من سيدفع ثمنه ، ما زلت أذكر مرورك ذاك .. كنت قد تركت
لك باب البيت مفتوحا ، وقفت أنتظرك في حديقة البيت بينما كان
الجميع يتناولون طعام العشاء في الداخل .. كنت أرتجف يا عزيز
فلم أكن قد اعتدت على فعل ذلك الأمر من قبل .. اذكر أنك دفعت
الباب برفق ودخلت بقامتك الممشوقة بهدوء واثق وكأنك تدخل
بيتك ! .. كنت مرتديا ثوبا شتويا أسود اللون واضعا حول عنقك
شالا صوفيا .. كانت ذقنك نامية كما أحبها فزادتك رجولة لا
تضاهيها رجولة ، كنت أنظر إليك بجوع حينا محاولة إشباع بصري
المتعطش لرؤيتك .. وأتلفت حولي حينا آخر خوفا من أن يراك
أحد .. لم أشعرإلا بقبضتيك تطبقان على زندي بقوة ، نظرت إليك
وحرارة أنفاسك تلفح ملامح وجهي .. أسندت جبينك على جبيني
وانت مغمض العينين وأخذت تستنشق أنفاسي بقوة ويداك تعتصران
ذراعي بشدة .. همست وأنا أرتجف بين يديك : عزيز .. يكفي ..
أرجوك ! ..
أخذت تزفر بأذني وأنت تهمس : أووووووش .. لا تخافي ..!..
أخذت اصوات من بداخل البيت تتعالى ، كانت أصواتهم تنبئ
بأنهم قد انتهوا من تناول عشائهم وباحتمال خروج أحدهم
في أي لحظة ، وبرؤيتك .. قلت لك بصوت مرتجف : عزيز ..!
أرجوك .. إن رآك أحد هنا سنقع في مصيبة !..
فتحت عينيك وعقدت حاجبيك بغضب مخيف ، ازدادت قبضتا
يديك تطويقا لذراعي حتى شعرت بأنهما سيتهشمان بين أصابعك ..
شعرت بك ترفعني من على الأرض بقبضتيك القويتين : اسمعي ..!..
لن يمّسك بشر بسوء ما دمت أتنفس .. أفهمت ..!
كنت أبحلق في ملامحك بخوف واستغراب .. كنت تتحدث
بحرارة ( مخيفة ! ) ..
هززتني بقوة : أفهمت يا جمان ..؟
هززت برأسي : فهمت .. والله العظيم فهمت .. لكن أرجوك أن
تذهب الآن .. من أجلي ..
قلت وأنت تتحسس كتفي بقوة : من أجلك ؟!.. أتعرفين بأنني
على استعداد لأن أموت من أجلك ؟..
أبعدتك عني لتخرج : ارجوك .. هيا ..
قلت وفي عينك رجاء ينطق : حسنا حسنا ..! سأذهب الآن ..
قبّلت جبيني وأنت تضغط بشفتيك عليه وكأنك تكويه .. كنت
أدفعك فتتراجع خطوة وتتقدم نحوي بخطوة أخرى ..!
كانت في عينيك أحاديث كثيرة .. وكثير من الشوق ..
اتصلت بي ما أن استقليت سيارتك ، كنت لا أزال في
الحديقة ، أحاول استرداد أنفاسي وطرد رائحة سجائرك
الملتصقة بملابسي ..
أجبتك وأنا ألهث : أهلا ..
قلت بصوت يرتجف انفعالا : جمانة .. أريدك !.. أريد
أن أتزوجك ، أريدك أن تكوني زوجتي .. ان تنجبي مني أطفالا
كثرا !..
قلت وأنا أضحك : من يستمع إلى حديثك الآن يظن بأننا
ولأول مرة نلتقي ..
تنهدت بقوة : أنا خائف يا بنت ! .. أخشى أن يأخذك مني
أحد ..
سألتك باستغراب : عزيز .. نحن هنا منذ أيام وسنعود إلى حيث
كنا معا .. من أين جئت بهذه الأفكار ..؟
قلت بضيق : لا أعرف ..!.. أشعر بالاختناق .. بودي لو أخذتك
الآن وعدنا .. تخنقني هذه المدينة يا جمان !..
قلت لك : اهدأ الآن وقل لي ، ألم يتغير بي شيء ..؟
بلى ..!.. ازددت جمالا ..
سألتك وأنا أعبث بخصلة من شعري : وماذا أيضا ..؟
أممم .. فقدت بعضا من وزنك .. ما بالك يا حلوتي ؟! .. ألا
يطعمك الأشرار ..؟
لا .. أرأيت ..؟!.. لا يهتم بي أحد بغيابك ..؟
تنهدت : إلهي !.. ماذا أفعل بك الآن لأهدأ ؟!.. أشعر بوجع في
قلبي يا جمان ..
وماذا أيضا ..؟
ضحكت : وبأن قطتي الشقية " تتغلى " عليّ..
ضحكت من قلبي وحول رأسي شعرت بعصافير الحب تغرد ..
وفي قلبي تفتحت ألف وردة ووردة ..
إلهي يا عزيز .. كم تتعبني ذكرى كهذه ، تقحمني في حالة حيرة
لا ينقصني الخوض فيها .. متعبة أنا من كل هذه الأحداث !.. تتعبني
حلاوة بعضها أكثر مما تتعبني مرارة أغلب ما فيها .. سألتك مرة إن
كنت تؤمن بوجود توأم روح لكل منا .. أذكر أنك اعتدلت في جلستك
شبكت أصابع يديك أمام وجهك وقلت : أممم! نعم ..
أؤمن بأن لكل منا توأم روح ..
سألتك : حبيبي ! .. صارحني .. أسبق وأن التقيت بتوأم روحك ..؟
ابتسمت : نعم ! سبق لي وأن التقيتها ..
أأعرفها ..؟
قرصت خدي بأصابعك وقلت بسخرية : كم أنت فضولية !..
قلت بعصبية : أستجبني أم لا ؟
قلت وأنت تعبث بقوالب السكر أمامك .. أممم !.. لكل منا
توأم روح واحد ، شخص موجود في مكان ما على هذه
الأرض ..!.. قد تلتقيه وقد لا نتمكن من لقائه ..
قلت وأنا أرتب قوالب السكر معك : محظوظ هو من يلتقي
بتوأم روحه ..
قلت : بل الأكثر حظا من يحظى به ..!.. قد نلتقي بتوأم الروح
لكن قد لا نتمكن من أن نحظى به أو أن نحافظ عليه .. الظروف
والأقدار تسيرنا في هذه الأمور يا جمان ..
سألتك بخبث : لم تجبني عن سؤالي بعد !.. من هي توأم
روحك التي التقيتها ..؟
ضحكت بقوة : أنت مزعجة !.. ألا تنسين أبدا ..؟
تعرف أنني لا أنسى ..
قلت وأنت تضحك : أخبريني بالمناسبة .. ما الذي حدث في
مثل هذا اليوم ..؟
عبدالعزيز !
حسنا .. أنت توأم روحي .. وممتن أنا لقدر جمعني بك حتى
وإن افترقنا ..
وما فائدة أن نلتقي إن كنا سنفترق ..؟
على الأقل حظينا بلقاء بعضنا بعضا !.. يبحث الكثير ولعقود
طويلة عن النصف الآخر ولا تسنح لهم الأقدار بلقائهم ، بلقاء توأم
الروح ..
وقتها حزنت كثيرا يا عزيز ، شعرت بكثير من الحزن يتسرب
إلى نفسي .. حزنت لأنك دائما ما كنت تشعرني بأني مروري في
حياتك يكفي ، وبأن لقاءنا يكفي ! بطبعك رجل يؤمن بأن الحياة
قافلة لا تقف .. تسير وتسير وتسير ، تمر من الآلاف مرور الكرام
ولا تتوقف من أجل أحد .. لطالما خشيت أن أتعب فتفوتني القافلة ،
وقد كان لا بد من أن افهم بأنه سيأتي يوم أنهك به ويتعبني المسير
فيفوتني الركب ..
الغريب بأنك كنت تسخر مني كثيرا وتطلق عليّ لقب ( حدث
في مثل هذا اليوم )!
كنت تخبر زملاءنا دوما بأن زميلتهم البدوية الجذور كالناقة
التي لا تنسى!.. وقد كنت أغضب كثيرا من وصفك ذاك .. كنت
أرفض وصفك لي بالمرأة الحقود لكنني أعرف اليوم بأنك لم
تخطئ في وصفي ، وبأنك أصبت كبد الحقيقة تلك المرة ..
فها أنذا ..! أنقلب على جمر ذكرياتنا وكأنني أعيش الأحداث
لأول مرة .. الوجع ذاته ، الحزن ذاته والكره ذاته .. أحاول أن أنسى
بعض ما مررنا به ولا أتمكن .. أذكر تفاصيل تفاصيلنا يا عزيز ..
ما زلت أذكر التفاصيل وكأنها شريط مصور .. آه لو تدري كم هي
قاسية تلك الذاكرة المختزلة بكل هذه الأحداث .. كم أبغض معرفتي
بك وبتفاصيلك ..
تناديني بالــ ( عنز ) حينما أغضبك ، أصبح ( عنزا ) حينما نتشاجر
و (psycho ) عندما أظنُ بك ! .. و ( طويلة العمر ) حينما أنشغل عنك !..
عندما تنهي المكالمة بـ ( توصين على شيء ! ) .. أعرف أنك تخفي أمرا ..
وحينما تصرخ ( مع ألف سلامة ) أعرف بأنك تعني أن أغرب وأن
لا أعاود الإتصال بك مجددا .. وبأنك لن تتحدث معي لأيام كثيرة قادمة !..
إلهي كم تؤلمني معرفتي لتفاصيلك يا عزيز ! . اشعر أحيانا
برغبة في أن أهشم رأسي ، أن أنتزعك من دماغي ، ان أنتشلك من
بين الأفكار وأن ألقي بك بعيدا .. بعيدا عن جمجمة يؤلمها وجودك
فيها .. ما أبشع أن تستعمر ذاكرتك ! ما أفظع أن تستوطن روحك ،
ما أقسى أن تسلب الخيار يا عزيز ، أن تسلب خياراتك .. بت أشعر
منذ أن استعمرتني بأنني فقدت التحكم بقراراتي ، باتت خياراتي
مرهونة برغبتك .. تصرح لي أحيانا وتوحي إليّ أحيانا أخرى وأنا
كالعبدة أستجيب .. أنفذ قراراتك وكأنك ولي عليّ .. كيف أذكر كل
هذا وأنسى ما كنت عليه ؟!.. أنسى بأنني امرأة حرة وبأنني نشأت
على أن أكون سيدة قراري !
قال لي والدي يوما : لا تنسي أبدا بأنك خلقت بتكوني ( سيدة ) ..
ولم أنس يا عزيز .. لكنك استعبدتني قسرا ، علمني والدي كيف
تعيش السيدة .. ولم يعلمني كيف تقاوم الاستعباد .. ويا ليته فعل !..
***
دائما يا يقال بأن الطفل ( الأوسط ) يظلم دوما ويهضم حقه
لكنني لم أظلم في عائلتي أبدا .. ولدت كالحد الفاصل .. يكبرني
رجلان وتصغرني جميلتان ..
يظن بأن نصيب الطفل البكر من العناية كبير .. كما ينال الطفل
الأخير النصيب الأكبر من الرعاية والدلال ، وعلى هذا الأساس
كان من المفترض ألا أنال شيئا على الإطلاق .. لكنني وعلى
النقيض نشأت مدللة من قبل والديّ .. تشفق عليّ أمي كثيرا ، تظن
بأن حظي في الدنيا قليل .. فتحاول أن تعوضني عن بعض الحظ
بكثير من الحب !.. تدافع عني أمي دوما أمام أخوتي الرجال الذين
لا يسعني ألا ان أتباهى بهم على الرغم من بعدهم عني وبعدي
عنهم .. قلت لي مرة حينما كنت أحدثك عنهما : غريبة أنت ! حينما
تتحدثين عن أو عن زملائنا تطلقين علينا ( أولاد ) وحينما تتحدثين
عن خالد وسعود .. تقولين أخوتي ( الرجال ) !..
وماذا في ذلك ؟
لماذا نحن ( أولاد ) وهم ( رجال ) ؟
قلت لك بسخرية : ظروف !..
أخبريني .. ما الفرق بيننا ..؟
لا ادري ..!.. لكن أخوتي لا يطلق عليهم ( أولاد ) أبدا !..
أتعرف يا عزيز .. أفكر أحيانا في شقيقيّ ( المتناقضين ) ، أفكر
في إمكانية أن يصبح أحدهما صديقك !.. أعرف بأنك لا تحب
خالد .. اشعر بهذا وأن كنت تتحفظ بمشاعرك تجاهه خشية أن
أحزن .. تدرك جيدا كم أحب هذا الرجل ، تدرك بأن في أعماقي
حبا خالصا لأخي خالد على الرغم من خلافاتنا التي لا تنتهي ..
أعرف أن أسلوب خالد معي لا يرضيك .. ترى في تعامله قسوة لا
يحق له بها ، لكنه أخي الأكبر يا عزيز ، تجري في عروقي دماؤه
النبيلة . أعرف أنك ترفض أن يقسو عليّ رجل غيرك ، تظن بأنك
وحدك المخول بهذا الحق ويخيفك الشعور بأن خالد هو الوحيد
القادر غيرك على التحكم بقراراتي حياتي .. سبق وأن أخبرتني بأنك
تخشى ألا يزوجنا خالد ..
سألتك حينذاك : ولماذا لا يفعل ..؟
أجبتني بتردد : أممم . تعرفين أن في سلوكياتي بعضا مما
يرفضه ..
ضحت : إذا فأنت تعترف بأن في سلوكياتك ما يعيب ؟
قلت : لا يهم ! .. لامهم الآن أن لخالد تأثيرة القوي على والدك ..
وبأنه يملك القدرة على حرماني منك ..
قلت ـ: تعال .. وبعدها نتصرف ..!
أشحت بوجهك وقتذاك .. وعلى ملامحك آثار ضيق ..
أشعر أحيانا بأنك كنت مترددا في طلبي خشية الرفض يا
عزيز ، أشعر بانك عشت على أمل أن نتزوج لكن الأقدار
خذلتك.. أعشقتك امراة مثلي يا عزيز ؟!.. امرأة تختلق اعذار
خذلانك لها ..

أعتدت على أن تخذلني ! بتُ أفهم الآن بأنك اعتدت على أن
تخذلني ، تخذلني في كل مرة من دون أن تخشى العاقبة ، لا أظن
بأنك قد فكرت يوما في وضعك عند خسارتي لأنك لم تتوقع
خسارتي أبدا .. أنت ذكي إلى درجة تفهم فيها بأن امرأة متشبعة
بحبك إلى هذه الدرجة لا قدرة لها على العيش بعيدا عن محيطك
وحدودك لكنني مللت هذا الخذلان يا عزيز .. ما عدت أحتمل كل
هذه الخيبة ..
قلت لي ليلة محذرا : جمانة .. لا تجرحيني كي لا تضطري
لِلعق جراحي ..

شعرت ليلتها بالمهانة ولا شيء غيرها ، تعرف بأنني مضطرة
للعق الجراح سواء أنني كنت الجارحة أو المجروحة ، اعتدت على
ملوحة جراحنا .. اعتدت على طعمها .. أصبحت كالسمكة التي تتنفس
الأوكسجين الذائب في الماء المالح بعد ان اعتادت على العيش في
ملوحته .. السمكة التي تموت حالما تتنفس هواءا نقيا خارج تلك
الملوحة ..
أذكر بأنك أغضبتني مرة فصرخت في وجهك : عبدالعزيز ! ..
أنت لم تشتريني من ( أبو ريالين ) لتفعل بي كل هذا ..
كنت تقرأ الجريدة وبين شفتيك سيجارة ، أذكر كيف قلبت
الصفحة ببرود .. وسحبت نفسا طويلا وقلت : بلى ! ..
أذكر كيف وضعت راسي على الطاولة وأخذت أبكي كطفلة
معاقبة .. لكنك لم تكترث !..
لا أعرف كيف تهنأ بتعذيبي يا عزيز .. لا أفهم كيف تتمكن من رؤيتي وأنا انتفض أمامك من شدة القهر كطير يحتضر ولا يرف لك جفن ، رفعت رأسي نحوك وسألتك : لماذا تفعل بي هذا ..؟
صرخت : لماذا تفعلين انت كل هذا !..
ومشيت ...!....
أتدري يا عزيز .. يؤلمني كثيرا أنني حاولت ولفترات عديدة أن
أثير شفقتك عليّ ، دفعني الخوف من أن أخسرك لأن احاول أن
أثير شفقتك ! .. أن أجعلك تشفق على حالي وأن ترحم حاجتي إليك
فتلطف بي ، وقد كنت تفهم هذا فازددت طغيانا وقسوة ... وازدادت
حالتي سوءا ، صدقني يا عزيز لقد تسببت لي بكل أسباب البكاء
ولقد جربت أنا بسببك كل أنواعه .
ثق بي يا عزيز ، لا شيء يؤلم كدموع القهر ، دموع القهر أكثر
ملوحة من سواها ! .. ثق بامرأة اعتادت على الملوحة كما لو أنها
عاشت طوال حياتها كسمكة ..
***

كنت قد تهربت من حضور إحدى المحاضرات لأعرض عليك
إحدى محاولاتي الشعرية .. كنت سعيدة بما كتبت .. قلت بعد أن
قرأتها بتمعن : جمان ! .. حاولي أن تكتبي بهدوء .. دائما تشعرينني
بعصبيتك في قصائدك ، تخيلت بأن القلم قد انكسر بيدك من فرط
عصبيتك خلال كتابتك لهذه المحاولة ..
لكنني كتبتها بمزاج جيد ! ..
قد تكون بعض الرواسب .. المهم ان عصبيتك جلية في
كلماتك ..
لم تخبرني يوم ذاك ، إن كانت قصيدتي جيدة برأيك ام أنها لا
ترتقي لأن يطلق عليها ( قصيدة ) .. دائما ما كنت تتجنب إبداء
رأيك في شعري ! .. حتى بت أؤمن بأنك لا تؤمن بما أكتب ، شعرت
بخيبة ألم ، فحاولت أن أغير الموضوع ، سألتك : اتصلت بك ليلة
أمس ولم تجبني ، أين كنت ..؟
قلت بسخرية وأنت تتثاءب : نمت عند صديقتي سامنثا !..
سألتك بتهكم : عزيز ! .. ألن تعرفني على حبيبتك سامنثا !؟؟..
تخبرن يعنها نمذ سنوات ولم تعرفني عليها بعد !..
أخشى أن تحرضيها عليّ .. لا أريدها أن تفسد ، سامنثا تحبني ،
تدللني .. تلبي طلباتي .. تثق بي وقنوعة ..
ماذا عني ..؟!
قلت وأنت تعد على أصابعك : أنت ؟!.. امم .. طويلة لسان !..
متطلبة ، عصبية .. غيورة وشكاكة ..
سألتك : ولماذا تحبني ؟
الشكوى لله ، أحبك !
قلت لك مستفزة : عزيز ! ما رأيك في أن تعرفني على شقيق
سامنثا لترتاح مني !
رفعت حاجبيك وصحت : أليخاندروا ؟!..
اسمه أليخاندروا ..!.. لا بأس !عرفني عليه !..
بنت ! .. عيب عليك ..
اليس بـ " عيب عليك " أيضا !.
لا .. أنا رجل ..
لا فرق بين رجل وامرأة في هذه الامور ..
اتكأت على الطاولة واقتربت مني : بلى ! .. هناك فرق ، فرق
شاسع يا حلوتي .. بإمكاني أن أحبك وأن أقيم عشرات العلاقات
مع غيرك لأنني رجل ، لكنك لا تستطيعين فعل ذلك لأنك فتاة ..
قلت لك بتحد : أنت مسكين إن كنت تؤمن بأنه يحق للرجل
ما لا يحق للمرأة .. الخيانة خياة سواء أكان الخائن رجلا أو كانت
امرأة ..

بل انت المسكينة ان كنتِ تضنين بأنهما سوءا في مثل هذه
الأمور .. على أي حال سأثبت لك نظريتي بمشيئة الله ...
يا سلام ! .. سأتزوجك يا بيبي ، سأتزوجك وسأتزوج عليك ثلاث
نساء ! .. كل امرأة منهم أجمل من الأخرى ..
ومن سيسمح لك بأن تتزوج عليّ ..؟
الشرع والقانون وأنا ..
أتظن بأن امرأة مثلي تستمر مع زوج يتزوج عليها ؟
في العادة لا تستمر امراة مثلك مع رجل يتزوج عليها لكن في
حالتنا هذه ستستمرين معي ..
يحدث هذا في أحلامك فقط يا حبيبي ..
قلت وأنت تلمس طرف أنفي بسبابتك محاولا استفزازي :
ستستمرين رغما عن أنفك الجميل هذا ..
أبعدت يدك عن وجهي بقوة ، قلت وأنت تضحك : لما انت
غاضبة ..؟!.. ستكونين زوجتي الأولى .. الغالية ..!
ارتفع صوت هيفاء خلفي فجأة فأفزعنا : لا يكون ماد إيده
عليك هذا ..
قلت أنت : بسم الله ! من أين جاءت هذه ..؟
قالت وهي تسحب مقعدا لتجلس معنا : هبطت من السماء !
أجبتها : لا أعتقد .. فمثلك يخرج من تحت الأرض يا هيفاء ..
سألتها وانا أضحك : هفوش ! .. كيف كانت المحاضرة ..؟
ممتعة ..! .. هل جئت في وقت غير مناسب ..؟
قلت لها : أنت هيفاء ..! .. أسمعت في الأغاني عن العذول ؟
قالت باستفزاز : لا ..
أجبتها : لا بد من أنك سمعت عنهم يا هيفاء .. حاولي أن
تتذكري ! ..
قالت بعناد : لا .. لم أسمع بهم ! .. ماذا عنهم ..؟
قلت وأنت تشرب قهوتك : أبدا .. سلامتك ..
قلت لها مشتكية : هفوش ! .. عبدالعزيز سيتزوج عليّ..
قالت هيفاء : ما شاء الله !.. ستتزوج عليها قبل أن تتزوج منها ؟
قلت : وما دخلك هيفاء ؟ .. أأمها أنت ؟
وهل تظن بأنني سأزوجك يوما ابنتي ..؟
قلت : وهل تظنين بأنني سأتزوج يوما امرأة انت أمها ..؟
كنت أضحك عليكما كثيرا ، لا أدري كيف لم أشعر بالغيرة
يوما من هيفاء عليك .. كانت هيفاء تجلس معنا دوما وتخرج برفقتنا
كثيرا ولم أخش منها أبدا .. على الرغم من أني امرأة شبه مجنونة
وأغار عليك من طيف امرأة !
كنا في بيت بايت وروبرت ، حينما تشاجرنا بسبب غيرتي ( غير المحتملة برأيك )!
قلت لي يوم ذاك وأنت تصرخ : أنت مجنونة !.. تغارين من خيالك عليّ !
صحت فيك : هذا غير صحيح ، لو كنت كذلك لما اصطحبت
هيفاء معنا إلى كل مكان .. لو كنت مجنونة إلى هذا الحد لما
جعلتها تهاتفك وتجلس وتخرج معك ..
قلت وعروق رقبتك تكاد أن تنفجر : وهل تعدين هيفاء امراة ..؟؟
صرخت من دون أن أشعر : معك حق .. هيفاء ( ارجل ) منك
ألف مرة ..
أذكر كيف أحمرت عيناك كمارد غاضب ، كيف تضخم كل ما
فيك حتى شعرت بقامتي تتضاءل من شدة الخوف أمام ضخامتك ،
قذفت ولاعتك على الأرض وصرخت بصوت مبحوح من شدة
الصراخ : تزوجيها إذا !
هرعت إليّ باتي ما أن سمعت صوت ارتطام الباب عند خروجك :
جمانة ما الذي حدث ؟
قلت لها وأنا أبكي نم شدة الغضب : إنه لا يفهم ! .. هذا
الرجل لا يفهم !
صحبتني من يدي وأجلستني : جمانة .. لا بأس ..! أنا متفهمة
لغضب عزيز ...
لكنه يغضب من كل وأي شيء يا باتي ..
قالت لي وهي تبحلق في وجهي من خلف زجاج نظارتها
السميكة : جمانة ! .. أنا أتفهم عاداتكم وأحترم محرمات دينكم ..
لكن الجنس من أقوى ركائز الحب يا جمانة .
قلت لها بعصبية : باتي أرجوك ! .. لا تخلطي الأمور ببعضها ..
لا شأن لهذا بخلافنا ..
قالت وهي تمسح على ظهري : جمانة ! .. أنا امرأة طاعنة بالسن
ومررت بتجارب جعلتني أفهم رغبات الرجال .. جمانة .. لا تصدقي
بأن رجلا عاشقا لا يرغب بامرأته التي يراها أمامه كل يوم ..
حتى وإن كان دينكم يمنعكم من هذا .. لا تتخيلي ألا يكون عزيز
بحاجة لأن يستمتع بك !
قلت لها : باتي ما الذي تسعين لقوله ..؟
قالت : أن تتفهمي غضبه !.. أن تقدري تنازله عن أمور اساسية
من أجل حبه لك ..
دخلت حينها بعينين صارمتين .. نهرتك باتي ما أن أغلقت
الباب : عزيز ! .. كدت أن تكسر الباب قبل قليل !
قلت وانت تشير بيدك إليّ : سأكسره في المرة القادمة على
رأسها !
قامت وهي تتمتم مبتسمة : يا لكما من سخيفين !
جلست أمامي .. قلت وأنت تعبث بمفاتيح السيارة : لو كنت
أعلم أنك ما زلت هنا لما عدت !
لم أكن بانتظارك ، بقيت لأتحدث مع باتي ..
فيما كانت تتحدثان ..؟
في أمور ..
ألا تعرف هذه الامور باسم ..؟
بلى ! .. أمور مخلة ..
رفعت حاجبيك بدهشة : أمور " قليلة أدب " ..؟
شيء من هذا القبيل .
السيئة باتي ..! كنت متأكدا من أنها قليلة أدب .. لا تجلسي
معها أبدا .. أتفهمين ..؟
أنت من تركني وحدي معها ..
نظرت إليّ طويلا وابتسمت برقة ، أشرت بيدك : تعالي ! قبلي
راسي وقولي " أنا آسفة " يا حبيبي ..
أشرت بأصبعي أمام وجهك رافضة ..
قلت : تعالي قبل أن تتلبسني الجنية فأغضب وأكسر إصبعك
الجميل هذا لأصنع منه ميدالية أعلقها على مرآة سيارتي ! ..
طيّرت لك قبل في الهواء .. قلت لي بسخرية : هذي وين
أصرفها ..؟
قمت وقبلت جبينك واعتذرت ، من يرى وجهك حينذاك لا
يصدق بأنك الرجل نفسه الذي كاد أن يقتلع الباب من الجدار قبل
دقائق ! ..
قلت : اسمعي .. " تعوذي " من إبليس وابعدي عنك الأفكار
السوداء .. أنت في حياتي مصيبة ، مصيبة واحدة تكفيني .. لست
بمجنون لأجلب لحياتي مصيبة أخرى !
قلت لك بعناد : لكنك تحب المصائب ..
قلت بنفاذ صبر : لقد كرهتني بكل ما هو مؤنث .. ارجوك
ارحميني ..!.. لا تخسريني بشكوكك يا جمان ..
لا بأس يا عزيز .. سأحاول أن أكون أكثر هدوءا ..
أشرت بسبابتك مهددا : هناك أمر آخر .. هذه آخر مرة أسمح
لك فيها أن تهيني رجولتي ..
لم أكن أقصد .. كنت غاضبة ..
انتبهي يا جمانة .. لن أسمح لك بجرح رجولتي مرة أخرى حتى
وإن كنت غاضبة.. أفهمت ؟
أجبتك بخوف : فهمت..
صمت قليلا وابتسمت : بالمناسبة .. أكان في حديثك وباتي أمر
يخص رجولتي ؟
كيف عرفت ..؟
ضحكت : باتي الفتانة ! .. اسمعي .. أعرف عن أي أمر تحدثتما ،
سبق وأن تحدثت معي في الموضوع ذاته .. دعك منها ، لا تجعلي
حديثها يقلقك ..
إلهي يا عزيز ! .. كم كنت رقيقا حينذاك ، كان في رقتك صخب
رجولة أغرى سكون أنوثتي .. شعرت حينها بأن قلبي يخفق بقوة
حتى تهيأ لي سماع نبضاته تدوي كقرع الطبول .. تشعرني أحيانا
وكأني يمامة بيضاء تحيطها بكفيك القويتين ، تقذفها عاليا لتحلق في
السماء وقلبها يخفق من السعادة والحب والحرية .. لا أعرف كيف
تقذفني بكلمة أو كلمتين إلى أبعد سماء يا عزيز .. لكنني أعرف كيف
توصلني لنشوة التحليق ! .. الهي يا عزيز .. ما ألذها من نشوة !
***
يحتفظ والدي المتحضر / البدوي بالكثير من طباع البدو التي
أحب بعضها منها وأكره بعضها الآخر ! .. يعشق والدي الصقور ،
يربي الخيول ويصطاد الغزلان في رحلتي صيد يخرج إليهما في كل
عام .. من سوء حظ والدي أن لا يشترك معه أيّ من شقيقيّ بهواياته
تلك ، على العكس مني أنا التي أذوب حبا بالخيول منذ نعومة
أظافري .. كنت أراقب والدي وهو يقطع المضمار بخيله كفارس
عربي من عهد قديم .. يجتاز حاجزا ويحلق فوق حاجز وروحي
تحلق معه بِوله وبرغبة كنت أدرك بأنها لن تتحقق يوما ! .. منعني
نقص فيتامين دال ( الوراثي ) من أن أصبح ( فارسة ) كوالدي ..
عانيت منذ الطفولة من نقص خطير بفيتامين دال ، جعل نسبة احتمال أن
ينكسر أي شيء في جسدي عالية .. خاصة أنني لا أتناول الدواء
حتى يومنا هذا ، وذلك لعدم قدرتي على بلع حبوب وكبسولات
الدواء .. ولا أعرف كيف يتمكن الناس من ابتلاع جسم صلب كهذا من
دون مضغ !..

كنت أرجو والدي في كل مرة ننزل فيها إلى المزرعة بأن
يسمح لي بركوب الخيل ، لكن رغبتي تلك لم يقابلها سوى رفض
أب حريص وأم خائفة .. كانت حيرة الأطباء كبيرة في صغري لأن
نقص الفيتامين كان بمستويات لافتة .. وعلى الرغم من هذا لم
أتعرض إلى أي كسور أبدا ! .. أذكر بأن طبيبا قد قال لوالدتي بعد
إجرائي لبعض التحاليل الدورية : ( سيدتي إما أن التحاليل خاطئة
وإما أن ابنتك هادئة كملاك .. من النادر أن لا تكسر فتاة تقفز
وتلعب بحالتها هذه ) .. والحق بأنني نشأت طفلة صامتة كنت أقضي
يومي بين الدمى بعيدا عن ضجيج ولدين يكبرانني بسنوات ، ولدين
لا يروق لي صخب وعنف ألعابهما ولا يروق لهما برود وهدوء ألعابي .
ولدت في جيل من الأولاد ، كان هناك جيش من أبناء عمومتي
وقد كنت الفتاة الأولى في فريق كرة القدم ذاك ! .. مجموعة كبيرة
من الأولاد يكبرونني بعام ويصغرونني بآخر .. وقد كنت البنت
الوحيدة قبل أن تولد شقيقتاي بالإضافة إلى فريق كرة آخر
" للإناث " جاء من بعدي وزاد من رصيد فتيات العائلة !
أذكر كيف كان يتشجار أبناء عمومتي من أجل اللعب معي ،
وكيف كنت أنظر إليهم باستعلاء الفتاة الوحيدة المدللة .. أتذكر
الرسائل والصور التي أحضرتها لك معي بعد زيارتي الأخيرة
للرياض يا عزيز ؟ .. قرأت لك العشرات من رسائل الحب الطفولية
المرسلة من قبل فتيان العائلة .. الحق يقال بأنهم كانوا " مضطرين "
على حبي ، حيث لم يكن هناك من فتاة غيري وقتذاك .. لكنني
غفلت عن ذكر هذه النقطة لك ، أو فلنقل بأنني فضلت أن أتجاهل
ذكرها لغرض أنثوي في نفسي !
قرأتها حينذاك وقلت : وجع !
لم نكن سوى مجرد أطفال .
التفت إليّ وقلت بغيرة : كنتم أطفالا ، كنتم هو فعل يحمل
دلالة من الماضي ! .. أصبحت الآن امرأة وأصبحوا رجالا .. أصبحت
وأصبحوا هما فعلان يحملان دلالات من المستقبل .
قلت لك ضاحكة : لا تقلق يا حبيبي .. لن يفكر رجل من عائلتي
بامرأة متمردة تقيم لوحدها في الغربة .
قلت لي : وما أدراك ؟!.. قد يفعل أحدهم ..
عزيز لا تخف ، أعرف كيف يفكر شباب العئالة ! .. لن يرغب بي
أحد .. ولا يهم إن رغب بي أحدهم ، المهم هو بمن أرغب أنا !
قلت وفي عينيك جدل : وبمن ترغبين أنت ..؟
سألتك مبتسمة : قل لي أولا بمن ترغب أنت ؟
أرغب بك ! .. أرغب بك أنت .. ارغب بأن تنجبي لي طفلة
جميلة تشبهك .. يكتب لها أبناء أخوتي وأخوتك رسائل حب
فأصلبهم على باب بيتنا عبرة لمن لا يعتبر .
قلت وأنا أضحك : حرام !
قلت : أنا رجل لا يرضى بأن يغازل ابنته أحد ..
ماذا عن الأولاد ؟ .. اولادنا ..؟
أتقصدين أبناءنا الشباب ..؟!.. أمم أولادنا فاسدون بإذن الله !..
سيعوثون في الأرض فسادا !
وضعت يدي لأمنعك من الحديث وأنا أستغفر الله . وأنت تضحك .
أبعدت يدي عن فمك وقلت : ما بالك ! .. ما المانع في أن
يعيش أبنائي حياتهم بحرية ..؟!.. دعيهم يتمتعون قبل أن يأتي يوم
يتعرف كل واحد فيهم على امرأة جميلة ، تقمعه ، تسجنه و" تطين
عيشته " كما تفعلين معي الآن ..
حاولت وقتذاك أن أتجاهل حديثك لأنني كنت أدرك بأنك
ستحاول استفزازي أكثر فأعطيتك صوري التي طلبتها .. كنت قد
طلبت مني بعضا من صور طفولتي على " إنتاجنا " على حد
قولك .. كانت أغلب صور أعياد ميلادي في مخيمات العائلة أو في
المزرعة .. حتى أنك أسميتني ووالدي يوم ذاك ( وضحى وابن عجلان ).
كنت مستغربا من أن تقام حفلة عيد ميلاد في صحراء ، وأن
يكون كيك العيد خروفا ينحر .. كنت تضحك كثيرا على تناقض
عائلتنا المتحضرة البدوية ، البدوية المتحضرة .. كانت أغلب
صور طفولتي مع والدي ، والدي الذي يفخر بي أكثر مما يفخر بشقيقيّ ،
يختال والدي في كل مرة أدخل فيها إلى مجلسه بحضور أعمامي ،
وهو يرحب بـ ( المها ) التي جاءت .. في عيدميلادي التاسع عشر ..
أهداني والدي طاووسا ، يأخذني أبي لرؤيته في كل مرة أعود فيها
إلى الوطن ليذكرني بأن امرأة مثلي لا بد من أن تحيا كالطاووس ..
أذكر كيف كان والدي ينهر أخوتي الكبار عندما كانوا يأمرونني بأي
شيء في صغري ..
أذكر اليوم الذي أجلسني فيه في حضنه وأنا طفلة وقال :
جمانة ! .. اسمعي الذي سأقوله لك ولا تنسيه أبدا .. جمانة لا تقبلي
بأن يأمرك أحد !.. لا تحني رأسك لمخلوق على وجه الأرض ..
أنت فتاة طويلة العنق وطويلة العنق تحيا شامخة .. لا تنسي أبدا من
أنت وتذكري أنك بالنسبة إليّ ، سيدة قومك ..
أتعرف يا عزيز .. أنتفض أحيانا حينما يخطر في بالي احتمال
أن يعرف والدي بتفاصيل ما بيننا ، بل بإمكانية أن يعلم بما تفعله
بي .. فكرت كثيرا في كيفية أن يرضى والدي على أن يزوج ابنته
الشامخة سيدة قومها ( برايه ! ) لرجل لا يجيد في حياته أمرا
كإذلالها .. كيف يقبل والدي بك يا عزيز ..؟! .. كيف يعطيك الملكة
لتسحق جلالتها ؟!
في إحدى زياراتي إلى الرياض حدثني أبي عن خاطب جاء على
وصف واسم وسمعة ( عائلة ) !
قال لي والدي حينذاك : جمانة .. أنا لا أعطي ( المها ) لأي
أحد .. إبنتي التي أحب ، الشامخة ، طويلة العنق لا يتزوجها أي
رجل ..
حدثتك ليلتها عمّا جرى بسعادة وفخر ، صمت قليلا وقلت
بإحباط : أفا !..
سألتك بدهشة : ما الأمر ..؟
يبدو أن والدك سيتعبني معه ..
كررت عليك الجملة التي لطالما كررتها عليك في كل مرة
يطرح فيه موضوعنا ذاك ، قلت : انت تعال ويصير خير ..
قلت بعد تفكير : أتدرين يا جمان .. حينما أجلس مع أمي ..
أشعر أحيانا برغبة ملحة في أن أخبرها عنك ، أن أصفك لها .. أن
أسمعها صوتك ، أن أتغزل بك حتى تغضب وتنهرني قائلة : عبد
العزيز أنت قليل حياء !.. لكنني لا أعرف لماذا أخاف فلا أفعل ..
قلت لك لعناد : أنا أعرف !
سألتني بعصبية وكأنك تعرف الإجابة مسبقا : لماذا يا عبقرية ..؟
لأنك لا تحبني !
صحت محذرا : جمانة !
سكنت خوفا من غضبك ومن أن تتلبسك الجنية على حد قولك ..
وطيف أبي يتراءى أمامي .. متحسرا على شموخ وكبرياء ابنته
الحبيبة ، المها .. الشامخة ، سيدة قومها .. طويلة العنق ...
أذكر الآن ما كنت تفعله بي يا عزيز ، فتصيبني الحيرة !
لطالما حاولت أن توصلني إلى ذروة الغضب والقهر والحزن ..
لتأتي وتلعق حزني وقهري وغضبي وكأنك تستمتع بتطبيب جراحي
بعد أن تفتقها .. تبكيني دوما لتمسح دموعي برقة وحنان بالغين ،
تستمتع بإذلالي . لتدللني وكأن الله لم يخلق في الدنيا امرأة غيري ،
تدهشني ساديتك يا عزيز .. يدهشني فيك اغتصاب كل ما ترغب
بالحصول عليه مني وكأنك لا تجد في الحصول عليه طواعية اي
لذة أو متعة ! .. لا تتلذذ بشيء كما تتلذذ باغتصاب كل شيء يا
عزيز .. مريضان ! نحن مريضان .. مريض أنت لانك تهوى تعذيبي ،
ومريضة أنا لأنني أقبل بتعذيبك إياي وكأني مجبرة ، مريض أنت
بساديتك ومريضة أنا بمازوشيتي .. فكيف يعاقب القدر المريض
بمريض آخر وكأن علته لا تكفيه .. وكأنه بحاجة إلى علة أخرى ..
لقد كنا مدمنين يا عزيز .. أدمنا مناكفة بعضنا بعضا فلم نصل
إلى أي نتيجة .. كنا مثيرين للشفقة ، لكننا لم نشفق على بعضنا
وظللنا نمارس طقوس الإدمان على الرغم من كرهنا له وتدميره لنا
وتعذيبه إيانا ! لم أكن سيئة إلى هذه الدرجة يا عزيز .. لست بسيئة
لدرجة أن أستحق رجلا مثلك فلماذا ابتليت بك يا عزيز .. لماذا
ابتليت بك ؟ لماذا ابتليت برجل يدمن إغضابي !.. لا أفهم لماذا تشتاق
لإغضابي .. اذكر بأننا قد تشاجرنا مرة حول سلوكك ! .. قلت
لي : اصبري .. سيهديني الله يوما ..
صحت فيك : متى ؟! متى سيهديك الله ..؟
قلت وعرق الغضب يكاد أن ينفجر في جبينك : وما أدراني أنا ؟!
لماذا أحببتني إن كنت غير قادرة على تحملي ؟
لو كنت أدري أنك بهذه النذالة لما أحببتك ، لكنني للأسف لا أعلم ( البيغ ) .
بيغ ! .. تعلمي كيف تتكلمين أولا ..
أأنت من سيعملني الكلام ؟
وضعت يديك حول وسطك وقلت : لماذا أشعر بأنك لن تنضبطي معي
إلا بعدما أمد يدي لمعاقبتك ؟
صرخت فيك : أتمد يدك على امرأة يا قوي ؟ أتدري ! في
كل يوم أكتشف فيك ما ( يصعقني ) ..
رفعت راحة يدك في وجهي قائلا : لحظة لحظة ..! يصعفني
من الصعقة أو من الصقيع ..؟
كانت ملامحك في منتهى الجدية .. وكنت أنا في نوبة غضب
حادة ، دائما أتلعثم وتختلط حروفي ببعضها بعضا في نوبات
الغضب تلك ، وهذا ما ينهي حوارنا دائما بعكس ما ابتدأناه .
ضحكت بقهر : لماذا تصر على قهري ؟
قلت : لا رغبة لي بقهرك .. لكنني أحتاج إلى مترجم لأفهم ما
تقولينه لي .. كيف أرد عليك إن لم أفهم ما تقولينه ..؟ هاه !
كيف ..؟

أذكر أنني انهرت على الأريكة وأنا اضحك ، استندت إلى
الأريكة وأنت تتأملني مبتسما ..
قلت : عبدالعزيز حرام عليك ..!.. ارحم عقلي وأعصابي ..
أقسم بأنني سأجن ..!..
قلت بسخرية : لا تقسمي بشيء وأنت لا تعلمين البيغ ..
ليست إلا غلطة لفظية .. فلا تذلني بسببها . .
سألتني وأنت تمسح على شعري : زعلانة ..؟
إيه ..
أنت عصبية ..؟
أجبتك باقتضاب : لا ..
طيب ، أنت حلوة ؟
رغما عنك ..
قلت مستفزا : طيب لا تبكين !
ضحكت قهرا : أنت مريض على فكرة .
حسنا أنا مريض ، المهم أن تتوقفي عن البكاء !
صرخت في وجهك : أتراني أبكي ؟
أجبتني باستفزاز : المهم ، لا تبكي .
أذكر أنني أرجعت رأسي إلى الوراء ، غطيت وجهي بيدي
وأخذت أبكي من القهر .. شعرت بك وقد جلست بجواري وأنت
تضحك بصوت مرتفع ، حاولت أن تضع يدك على شعري لكنني
أبعدتها بقوة وأنا أشهق .
قلت وأنت تضحك : أنا آسف ! .. لن أمزح معك بعد اليوم ..
أنت مريض !
هززت بكتفيك ببراءة وقلت : أيش أسوي ! .. احب شكلك
وأنت معصبة !
مسحت دموعي وأنت تمرر يدك على شعري : عندما تغضب الــ
" بيبي " تصبح كالإعصار !..
التفت نحوك ورمقتك بنظرة غضب ، فانفجرت ضحكا : خلاص
يا بيبي خلاص ، أمزح معك .. لا تعصب يا كتكوت يا شرس !
رأيت في عينيك يومها سادية مخيفة ! .. نظرة أعرفها وأكرهها
وأخشاها .. نظرة ترمقني بها بين الحين والآخر .. في حالات لا تقدر
فيها على أن تكبح جماح ساديتك ..
ما زلت أذكر النهار الذي كدت فيه أن تكسر ذراعيّ
" عمدا " ! .. انحنيت لألتقط القلم ، رأيت في عينيك الغضب حينما
اعتدلت ، سحبتني من ذراعي وأنت تضغط بقوة من يريد إيذائي !..
قلت لك وأنا أحال سحب ذراعي من بين أصابعك الفولاذية : ما
الذي فعلته ؟ !.. ستكسر ذراعي يا عزيز !..
قربت وجهك من وجهي وقلت وأنت تصر على أسنانك : لا
تنحني أبدا كما فعلت للتو .. أتعرفين كم من رجل تمكن من رؤية
اسفل ظهرك حينما انكشف ؟
قلت لك وأنا أحاول تخليص ذراعي : لم أشعر بهذا !..
لأنك غبية !..
قلت لك مهددة : صدقني إن انكسرت ذراعي بيدك لن يحميك
من شقيقيّ أحد ..
أخذت تضغط بقوة معاندا : حقا !.. ما رأيك أن نجرب . فلنر
ما الذي سيفعله أخوتك الذين تهددينني بهم !
كنت أحاول سحب يدي من بين أصابعك وكأنها قد التحمت بها ،
دمعت عيناي من شدة الألم لكنك لم تتراجع ..
صرخت فيك من بين دموعي : يكفي !..
قلت بابتسامة : قولي " سأتوب " !..
صحت فيك : أتوب ..!.. أبعد عني ..
قلت وأنت تضغط أكثر : قولي لن أهددك بشقيقي .
رددت وراءك ما قلت ، فأفلت ذراعي مبتسما ..
غضبت منك كثيرا وقتذاك .. تركتك خلفي وهرعت إلى
سيارتي . بررت لي قسوتك بعد ذاك بأنها لم تكن سوى مزحة
رجولية عنيفة .. لكنني رأيت في عينيك متعة إيذائك إياي ! ..
قلت لي مرة : تطلبين مني أن أبقى بجوارك طوال الوقت وأنت
لا تتقبلين طريقة لعبي ومزحي ..
أجبتك : لا بأس في أن نلعب معا ، لكن لا بد من أن تفرق
بين رجل وامرأة يا عزيز .. أنا فتاة ، لست بزياد ولا بمحمد .
قلت : أنت تدعين هذا ..! لطالما قلت لي بأنك صديقتي
قبل أن تكوني حبيبتي .. وبأنه لا بد من أن أعاملك على هذا
الأساس .. ألعب وأمزح مع أصدقائي بهذه الطريقة يا جمان !
فلما الغضب ؟
صحت فيك : لكنني لست بأحد ( الشباب ) .. كما أنني طلبت
منك أن تعاملني كصديقة لتصارحني بما يجري معك لا لأن
تهشمني !
قلت بخبث : جمان ، لا تحاولي خداعي بذكائك !.. إما أن
اعاملك كحبيبتي فقط بما فيها من مميزات وإما أن أعاملك
كحبيبتي وصديقتي فتتقبلين مزحي مهما كان عنيفا ، اختاري الآن !
واخترت يومها أن أتحمل الالم .. وأن أظل الحبيبة / الصديقة ..
على الرغم من الكوارث التي كنت أدرك بأنها ستلحق بجسدي ثمنا
لصداقة رجل عنيف مثلك .. بعدها بأيام ، كنا معا ، كنت تحاول
كتابة مقالتك الأسبوعية وأنت تدخن ( النارجيلة ) .. جلست أمامك
بضجر منتظرة أن تنهي مقالتك فتخصص لي بعضا من وقتك ..
قلت لك : عزيز ..!.. ألست بحبيبتك ..؟ ..
أجبتني وأنت تكتب ومن دون أن تنظر إليّ: بلى ..
ألست بصديقتك ؟
قلت من دون أن ترفع راسك : جمان ! .. قولي ما عندك بلا
مقدمات ..
قلت لك بتردد : عزيز ..!.. أتعرف بأنني لم أدخن يوما النارجيلة
على الرغم من أنك وهيفاء تدخنانها ..
رفعت رأسك ونظرت إليّ قائلة بدهشة : أكملي ..
قلت بخوف : لا شيء ..
اعتدلت بجلستك ، ورميت خرطوم النارجيلة فوق الطاولة
وقلت : خذي ..
ماذا أفعل بها ..؟
هززت كتفيك وقلت ببساطة : دخني !..
سألتك بتردد : حقا !..
حقا ..
سألتك : ألن تغضب ..
قلت : لا ، لن أغضب !.. سأطفئ جمرة في راحة يدك الناعمة
لأحدث فيها ثقبا صغيرا تتذكرين من خلاله اليوم الذي دخنتِ فيه
النارجيلة لأول مرة ..!
عزيز ! .. ألا تلاحظ بأنك دائما تهددني بأنك ستحرق يدي ،
وتكسر إصبعي .. وتنتزع شعري ..؟
سألتني : وماذا في هذا ؟
فيه الكثير ..!.. تشعرني دوما بأننا في أحد مشاهد ( صمت الحملان ) ..
أشرت إليّ بيدك لأسكت ، خلاص ! .. أحتاج إلى صمتك
لأكمل مقالتي ..
قلت لك بسخرية : أتتهرب !
رفعت الملعقة في وجهي وقلت : أتصمتين أم أقتلع عينيك بهذه
الملعقة وأقليهما على نار شمعة ..؟
غرقت في نوبة ضحك .. وأنا أتأملك ، أتأمل سفاحي الوسيم
بحب ورغبة .. على الرغم من ساديتك .. وقسوتك !..

الفصل 6

اتصل زياد : Good morning lady
أهلا زياد ... ! صباح الخير ..
كيف حالك الآن ؟
الحمد لله
Do you feel better now?
افضل بكثير
أتقبلين دعوتي على الإفطار أنت وهيفاء ؟
سألته بخوف : لماذا .! .. ما الأمر ؟
وهل أحتاج لأسباب تدفعني لدعوة زميلتي ؟
أجبته بخجل : لا ، لكنني متعبة الآن .. قد نلتقي في يوم آخر يا زياد .
جمانة .. لا تتنصلي ..! .. سأنتظركما في المقهى بعد ساعة . أرجو
أن تحضرا .. سأكون بالانتظار .
أغلقت مع زياد وركضت إلى غرفة هيفاء لأطلب منها أن تتصل
بزياد لتعتذر عن الدعوة وهكذا لا نذهب .
كانت هيفاء مستعدة للخروج ، قالت لي ما أن رأتني : جمون !
ألم ترتدي ملابسك بعد ؟
إلى أين ..؟
سنفطر مع زياد .. ألم يتصل بك ..؟
بلى ! .. لكنني لم أتوقع أن تقبلي الدعوة !
ولما أرفض ؟! .. هذا زياد السواف .. الله خلق وفرق !
هيفاء !
البسي بسرعة ، سنتأخر ..
في الطريق ، قلت لها : هفوش ! .. سبحان اللي مهديك على
زياد .. لا يكون تحبينه . .
قالت : لا حبيبتي أنا ما أحب سعودي !..
ليش هفوش ؟ .. خليجنا واحد ..
خليجنا واحد وعزيزنا واحد ..
توك في البيت تقولين لي عن زياد الله خلق وفرق !
ييه أكذب عليك ! .. لا يكون منعوا الكذب بهالديرة ..؟
استرسلت وهي تركن السيارة أمام المقهى : عيوني أنا مقتنعة
أن كل الرجال بالحب عزوز .. على وزن كلنا بالهم شرق !
دخلنا المقهى وأنا أضحك ، كان زياد يجلس إلى الطاولة التي
اعتدنا أن نجلس إليها .. وقف مبتسما ما أن رآنا ، صافحنا بحرارة
لم أعهدها من زياد الطبيب الخجول الذي لم يتواصل معي بصريا
طوال الأربع سنوات لأكثر من دقيقة من شدة خجله .. مد إليّ
بكتاب ما أن جلسنا .. قال : إتفقنا أنا وهيفاء على أن يهديك كل
واحد منا كتابا ، اخترت لك هذا الكتاب من أجل حياتك الجديدة
الكتاب The book of love anseres ! فكرته باختصار ،
أن تقلبي صفحاته من دون ان تنظري إليها حينما تكونين في حيرة
من أمرك بشأن أي سؤال عاطفي يدور في خلدك !.. وأن تقفي عند
إحدى الصفحات حينما تشعرين بأنك ستجدين الجواب في تلك الصفحة ..
ستجدين في كل صفحة من صفحات الكتاب جملة قد تلهمك ..
أخذته بيد ترتعش من شدة الارتباك : كم أنت لطيف يا زياد !..
شكرا جزيلا .. أحببت فكرته ..
قالت هيفاء : أنا أيضا أحضرت لك كتابا ، أعطتني كتابا
بعنوان : A hundred ways to destroy men قالت : اخترت لك هذا
الكتاب لكي تتجنبي أخطاء الماضي ..!
انفجر زياد ضحكا حتى أخذت عيناه تدمعان من شدة
الضحك .. قال : يا الله ! .. لا أعرف كيف أصبحتما صديقتين !
أنتما مختلفتان للغاية .
قالت هيفاء : وهل تتشابه أنت وعزوزو ؟
نظر إليّ زياد وابتسم : No, we aren’t ! anyway لم نحضر إلى
هنا لنتحدث عن عبدالعزيز ! .. حضرنا هنا لنحتفي بحياة جمانة
الجديدة .. أليس كذلك يا جمانة .. ؟
أجبته مبتسمة : بلى ..
قال : هيا .. فلتجربي كتابي .. رددي في نفسك أي سؤال تحيرك
الإجابة عليه .. وقلبي صفحات الكتاب .. لا تتوقفي حتى تشعري
بأنك ستجدين الإجابة في تلك الصفحة ..
قالت هيفاء : لا بد من أن تخبرينا عن السؤال ..
قال زياد : جمانة دعك منها ، فقط اقرئي لنا الاجابة ..
اغلقت عيني .. وأخذت أقلب صفحات الكتاب كثيرا .. توقفت
عندما سمعت صوت هيفاء وهي تتذمر : جمانة شنو قاعدة
تشعوذين ..؟!.. يلا عاد ! ..
كان في الصفحة جملة واحدة : it will harder than dyou thought
رفعت الكتاب في وجه زياد وقلت : لم أقل شيئا يا زياد ،
الكتاب القائل هذه المرة ..
سحب زياد الكتاب من يدي ، انسي موضوع الكتاب .. اعتبري
كتاب هيفاء هدية منا نحن الاثنين ..
قالت هيفاء : A hundred ways to destroy men ?
ضحك زياد : هيفاء أرجوك ! .. لا ترددي اسمه !
ضحكت مع زياد وصدى سؤال ما زال يتردد في رأسي ! هل انتهى منك ..؟
It will harder than I thought!..
اصعب بكثير
كنا نستمع لـ Roxette في طريق العودة إلى البيت .. كل
الأقراص الغنائية في سيارتي وفي البيت وفي سيارة هيفاء ..
اخترناها أنا وأنت ، اشتريناها معا يا عزيز .. كان من المفترض ومن
المطلوب ألا أفكر بك .. وكيف لا أفعل يا عزيز فأنا لا أفهم كيف
يطلبون مني هذا .. لا أفهم كيف يتوقعون مني ألا أفعل ، لا يدرك
زياد ولا تدرك هيفاء .. بأننا تعايشنا لدرجة أننا لا نتمكن من أن
ننفصل .. مضحكة أنا لأنني أتحدث ( عنا ) بصفتنا ( نحن )! على
الرغم من أنك فضلت أن تكون ( معها .. لا ( معي ) ! .. فضلت أن
تكونوا ( انتم ) على أن نكون ( نحن ) ..
Ig must have been love, but it’s over now
It must have been good, but I lost it somehow
Ig must have been love, but it’s over now
From the moment we touched till the time had run out


نحن نحبها ، نحب هذه الأغنية ونحب ذاك المقهى .. ونحب أن
نكون معا على الرغم من شجارنا .. كنا في الحب .. لكنه انتهى !
اضعناه بطريقة ما .. كما في أغنية Roxette الموجعة .. قلت لي مرة
بأن حبنا ورغبتنا ببعضنا بعضا لا يكفيان إن لم نتفق ! لكنني لم
أؤمن بذلك البتة .. كنت على يقين بأن حبنا يكفي وبأن رغبتنا
تكفي ، تكفي لأن نكون معا وأن نعيش بسعادة .. لكنهما لم يكونا
مقنعين بالنسبة إليك .. كنت تطمع بالمزيد ، كنت تطمع بحريتك أكثر
من أي شيء .. أفهم الآن بأن حاجتك إلى الحرية كانت ( أضخم ! )
بكثير من احتياجك إلى الحب .. بينما كنت على استعداد لأن أتخلى
عن كل شيء لأكون معك .. لأن أتنازل عن كل شيء فقط لأصبح
لك ولتصبح لي .. لا تعرف هيفاء ولا يعرف زياد بأنك من اختار
لي هذه الكنزة وبأنك من ابتاع لي هذا ( الجينز ) ..
( الدبلة ) التي تتدلى من السلسلة على عنقي هي دبلة خطوبتنا
المؤجلة .. أتذكر ! .. أتذكر اليوم الذي اشترينا فيه الدبلتين !
اخترت لك دبلتك واخترت لي دبلتي .. علقناهما بسلسلتين من
الذهب الأبيض ، لحين ما يأتي يوم .. أزين بدبلتك إصبعي .. وتزين
إصبعك بالدبلة التي اخترتها لك .. عندما كنا في المستشفى ورفعت
يدك لتقبل يدي .. رأيت في أصبعك دبلتي ، الدبلة التي اخترتها
والتي اشتريناها معا .. فكرت وقتذاك بأي سافل هذا الذي يتزوج
بدلة اختارتها له حبيبته السابقة ..؟!.. أي رجل هذا الذي يخون
زوجته منذ لحظة زواجهما الأولى ! .. لم تكن وفيا لي في علاقتنا يا
عزيز ، وأدرك بأنك لن تصبح وفيا لها في زواجكما !.. مؤمنة أنا
بذلك أكثر من أي شيء ..!..
قمت بتشغيل ( كمبيوتري ) المحمول عندما وصلت إلى البيت ..
كنت أرجو أن تخونها ، أن ترسل إليّ باي شيء .. أن تكتب أي
شيء ، أي شيء ينبئني بأن ما بيننا مستمر وبأننا لن ننتهي .. لم أكن
على استعداد يا عزيز لأن ننتهي .. لا أفكر بكما معا .. لا قدرة لي
على أن أفكر بكما كزوج وزوجة !.. في داخلي إنكار حاد للحدث
وللصورة ، في داخلي وجع عظيم .. في أعماقي قهر وحزن وخوف ..
شعرت وقتذاك بأنك جرحتني وبأن جرحي كبير وبأن مصيبة قد حلت عليّ ..
لكنني لم أتمكن من أن أشعر بالم خذلانك لي ، وتركك إياي وزواجك
منها ! .. في كل لحظة أحاول أن أصل
إلى تلك الصورة .. صورتكما معا .. يتلاشى كل شيء ويتشتت ذهني
وكأن عقلي يأبى أن يرسم الصورة ! .. متمسكة أنا بفكرة أن يكون
في الأمر خطأ ، سوء فهم ، لبس ، .. اي شيء .. عدا أن يكون الأمر
حقيقيا وأن يكون أمرنا قد انتهى .. أرفض أن أصدق بأنك ستكون معها هي ،
لا أن تكون معي أنا .. لم أكن على استعداد لأن أخسرك يا عزيز ،
ليس بعد كل ما جرى بيننا ! .. كنت على استعداد لأن أتحمل
كل شيء ، أن أتفهم كل شيء إلا أن تكون قد تركتني من
أجل امراة أخرى لا يحق لها بشعرة من جلد رأسك .. استحقك يا
عزيز ،أستحق كل ما فيك ، أستحقك بصبري وبحبي وبتضحيات
سنوات مضت .. فلماذا لم أحصل عليك ؟!
دخلت بريدي لأجد في صندوق الوارد .. رسالتين منك من دون
عنوان ..
كانت الأولى محملة بأغنية ( تصدق الأحلام ! ) لعبد المجيد
عبدلله ، حملت الأغنية وأنا أقرأ رسالتك الأخرى التي كتبت فيها :
( مساء الخير ، كيف حالك يا جمان ..؟
أردت أن أطمئن عليك ، خشيت أن أتصل ففضلت أن أكتب
رسالة .. لطالما أحببت الرسائل .. في داخلي الكثير ليكتب ويقال
ويشرح لكنني أشعر ولأول مرة باستعصاء الكتابة .. أشعر وكأنني
فقدت القدرة على أن أكتب ، أخبرتك قبلا بأن سرك ( عظيم ) ! .. ها
أنا ذا فقدت كل شيء منذ أن أغضبتك وكأن لعنة أصابتني .. أقول
هنا منذ أن أغضبتك ، لا منذ أن خسرتك لانني على يقين من أنني
لم أخسرك بعد .. على الرغم من خطيئتي ومعصيتي بحق الحب
وبحق إلهة الحب أنت .. قد ترين في قولي وقاحة ! أرى في قولي
أكثرمن هذا لكنني أعرف بأننا لن نخسر بعضنا بهذه ( الصعوبة )!..
لن أدعي سهولة ما جرى وأعترف بصعوبته عليك وعلي ّ ! .. على
الرغم من اختياري ومن حماقتي لكنك مضطرة لأن تقبلي بما حدث ..
ومضطر أن أندم كثيرا عليه .. لن أدعي نقائي ولن أحاول
تبرير فعلتي .. أبدا يا جمانة .. لن أفكر بفعل هذا أبدا . اعترف والآن
وعلى استعداد أنا للاعتراف أمام الدنيا بمن فيها بأنني أخطت وبأن
خطا كخطئي ذاك لا يغتفر ..! لكنني اعرف وعلى الرغم من اعترافي
الذي لن يقبل به أي ناسك في الدنيا بأنك ستسامحينني ...
ستسامحينني من دون رغبة منك بالسماح .. ستسامحينني مضطرة ،
مجبرة ومغصوبة .. لأن قلبا واحدا يجمعنا .. نصفه في صدري ونصفه
الآخر بين أضلعك .. جمانة !.. تزوجت غيرك غيرك ، تزوجت ياسمين .
عرفتها منذ ثمان سنوات . منذ أن كنت طالبا في مونتريال .. كنت
وقتذاك أدرس البكالوريوس كما تعلمين .. كنت في السادسة والعشرين
وكانت في الثانية والثلاثين من عمرها .. قد تستغربين من
أن أتزوج امرأة تكبرني بست سنوات ، لكنه دليل بسيط على أن
علاقتنا تلك لم تكن يوما منطقية . . لم تكن علاقتنا عاطفية أبدا يا
جمان .. لم يربطنا ببعضنا سوى جسدين .. يؤلمك هذا .. أدرك بأن
قولي يؤلمك لكنني أحتاج الآن لأن أصدق معك .. لأكفر عن بعض
ذنبي وإن كان عظيما .. أحتاج لأن أصدق القول معك .. أوجعك
بالحقيقة وهذا أفضل من أن أوجعك بغيرها .. أعترف بأنني كنت
أهرع إليها في كل مرة تغضبينني فيها .. كنت أنفس عن غضبي منك
بخيانتي لك وبعلاقتي بها .. حقير ، وقح .. خائن ، كاذب ومريض ..
قولي ما تقولينه عني .. سأختصر عليك الدرب لترتاحي وساقول لك
بأنني كل هؤلاء ! لكنني أحببتك منذ أن التقيتك في المقهى لأول مرة ..
ظننت أنني سأفقد هذا الإحساس بعد مرور الوقت وسأشعر بالملل
كما حدث مع غيرك لكنني لم أشعر بهذا أبدا ، كان حبي لك
يزداد في كل مرة أراك تبتسمين وفي كل مرة تعبسين .. قد لا
تدركين كم أحب صراخك في وجهي ،كم أحب بكاءك بسببي !
كم أحب غيرتك وعنادك .. يزداد حبي لك في كل مرة تعقدين فيها
حاجبيك ظنا وتحاولين استدراجي بأسئلة غبية .. أعشق تأملك وأنت
تسحبين شفتك السفلى بأظفارك حينما تفكرين بما أقول ..
أحبك يا جمان ، أحبك وأشهد الله على حبي لك .. لو كنت
أمامك الآن لسألت .. لماذا أخونك إن كنت فعلا أحبك ! ستسألينني
إن كنت قد شعرت بالذنب خلال خيانتي لك ؟ .. وأصدق القول
معك هذه المرة .. لأنه لم يعد لدي ما أخشى انفضاحه ، خنتك
لأنني اعتدت على فعل هذا .. أدمنت الأمر .. أدمنت على أن تكون
في حياتي امرأتان ، امرأة يعرفها جسدي وامرأة يعشقها قلبي .
اعتدت على أن أفرغ ما في قلبي لامرأة طاهرة ، في جسد امرأة
عاهرة .. لا تلوميني .. كنتِ بعيدة على الرغم من قربك مني ..
تدركين ما أعني يا جمان ، قاس حديثي هذا .. أدرك بأنه صعب عليك قراءته
لأنني أشعر الآن كم هو صعب أن أكتبه .. الذنب ليس ذنبك ،
يقتلني أنك لم تذنبي في هذا !.. لكنني لم أتمكن من أن أتخلص
من أمر اعتدت على القيام به . جمانة . ابتعدت لأشهر عن ياسمين ،
خفت .. خفت أن تكتشفي الأمر فتتركينني ، كما عذبني إخلاصك لي
فابتعدت عنها .. لكنني لم أتمكن من الاستمرار وفيا .. حينما سافرت
وحدك إلى الرياض وانشغلتِ عني وقتذاك . . فتك بي الشوق
والشك ، كان لا بد من أن أنتقم من ظنوني .. كان لا بد من أن
أعاقبك على انشغالك عني .. فعدت إليها ولغيرها ! أعترف بأن
عودتي تلك جعلت من تأنيب ضميري سوطا أجلدك به .. أخذت
أعاقبك على دفعك إياي لخيانتك .. أسأت معاملتك لأنك دفعتني
إلى الخيانة .. وعليه ازددت حدة وازددت عنادا . . فازدادت شجاراتنا
وكذلك خلافاتنا وباتت خيانتي كعقاب يرضيني أحيانا ويشعرني
بالسوء أحيانا أخرى ! .. جمانة .. زواجي من ياسمين لم يغير في
الأمر شيئا .. كنت خائنا منذ البداية ، بزواج ومن دون زواج ..
تزوجتها فقط لأوجعك .. لتعرفي بأنني قادر على أن اتزوج غيرك ..
ولتشعري بأنني فضلت امرأة عليك .. أتدرين ما الغريب في الأمر يا
جمانة ؟؟ .. الغريب بأنني لم ألمسها منذ أن تزوجنا .. رغبت بها
بالحرام ولم أرغب بغيرك بالحلال مثلما لم أرغب بك بالحرام
أبدا .. دائما كا كنت أراك كحورية لا يستحق أن يدنسها بشرا ..
كنت تحبينني حينما كان يربطني بياسمين حسد .. أتكرهينني الآن
بعدما أصبح لا رابط مجرد ورقة ؟ .. جمانة .. أدرك وتدرك ياسمين
بأننا لن نستمر بزواج كهذا .. كنا محتاجين إلى تلك الورقة .. احتجت
إليها أنا لأعاقبك واحتاجت إليها هي ..لتحمل اسم مطلقة .. مطلقة
افضل بكثير من امرأة في الأربعين لم تتزوج بعد .. هكذا كانت
الصفقة يا جمان وإن لم نصرح بها ..
جمانة .. ساطلق ياسمين في اللحظة التي تطلبين مني أن أفعل ..
ستفكرين لماذا لا أطلقها الآن إن كنت جازما على أن ننفصل ،، وإن
كنت صادقا في أن لا شيء يربطني بها ،سأطلقها يا جمانة فور ما
تطلبين مني فقط ، لأنني سأعرف عند طلبك بأنك ستعودين إليّ
وبأننا سنستأنف ما بدأناه معا ، أدرك بأنني أخطأت وبأن خطأي
عظيم لكنني أدرك أيضا بأنك قادرة أن تسامحيني وعلى أن
تحبيني أكثر !.. أنا لست إلا كما قال نزار ( طفل عابث يملؤه
الغرور !) ( فكيف تنتقم الطيور من صغارها ) يا جمانة ! .. ها أنا ذا
اسأت وأسالك المغفرة يا حبيبتي .. أدرك بأن طلبي صعب .. أدرك
بأن قربي منك الآن صعب عليك لكنني أدرك أيضا بأن بعدي
سيقتلك مثلما سيقتلني البعد .. جمانة .. لا أطلب منك أن تكوني
حبيبتي فلطالما كنت الحبيبة .. أرسل اليوم طلبي لأطلبك زوجة ..
أريدك فعلا .. أريدك حقيقة .. ما عادت تشبعني أحلامنا المؤجلة ..
أريدك الآن .. أريد أن نتزوج .. أن أطلبك من أهلك ، أن تتزوجيني ..
وأن نقيم معا لنكمل ما تبقى من دراستنا .. أريد أن أستيقظ بجوارك
كل يوم .. بدلا من أن توظيني على الهاتف في كل صباح ..!..
أحتاج لأن تحضري لي قهوتي في بيتنا قبل ذهابنا إلى الجامعة بدلا
من أن نلتقي في مقهى الجامعة لنشرب قهوتنا معا .. أحتاج لأن
أفتح خزانة ملابسنا لأختار لك ما ترتدينه بدلا من أن تصفي لي
ملابسك على الهاتف فأختار ما أتخيله جميلا عليك . . أريدك أن
تنامي على صدري ونحن نتابع برامجنا على التلفز يا جمانة ، مللت
من أن نتابع التلفاز على أريكتين منفصلتين .. أريد أن أقبلك .. أن
أشعر بشفتيك تذوبان داخل فمي ، تعبت من تقبيلي إياك على
الهاتف .. أريد أن اتزوجك يا جمانة !.. أن تكوني لي .. الم تفكري
يوما بمدى اشتعالي حينما تتحدثين عن أطفالنا ..؟.. في كل مرة
تتحدثين فيها عن طفل يجمعنا.. أشعر برغبة حارة في ان أتحسس
بطنك ، في أن ألمس بيت أطفالي بيدي .. تظنين بأنني قاس وبأنني
بارد المشاعر لكنني استعر في كل مرة أراك فيها وإن كان خوفي
عليك أكبر من أن أمسك بنظرة ، جمانة .. تزوجيني ، تزوجيني بعيوبي
وذنوبي كلها ! تزوجيني لتجعلي مني قديسا .. تزوجيني وكوني
امرأتي .. لن أعدك بشيء لأنك لن تصدقي وعودي ، أريدك أن تثقي
بقلبك الذي أحبني .. أريدك أن تشبعي هذا الحب الجائع قربا ..
لست عظيما لأستحقك لكنني أعشقك ، أتنفسك .. وأتشربك بما
يكفي لأن تكوني لي .. أطلبي مني أن أطلقها حينما تقبلين بي زوجا
يا جمانة ، حينما تطلبين مني طلاقها سأعرف بأنك قد قبلت بي ..
وسأطلبك حينئذ من أهلك .. جمانة .. ارحمي قلبي وقلبك ولنتزوج ..
( فأنت في حياتي الهواء وأنت عندي الأرض والسماء ) كما قال
قباني !

الفصل 7

قرأت رسالتك تلك مرارا يا عزيز ، قرأتها حتى حفظت كل
كلمة فيها .. كنت أحاول استيعاب ما كتبت .. لم يبدُ لي شيء فيها
حقيقيا ..! .. لا أقصد مشاعرك بل حكاية ( المرأة الأخرى ) تلك ..
الحكاية كلها ، كل الحكاية ! .. شعرت وكأننا في حلم ، في أحد
مقالبك السخيفة أو في كذبة أبريل متأخرة .. أي شيء سيقنعني عدا
أن أكون غبية إلى هذا الحد .. لن تأتي بعد كل هذا الحب الملتهب
لتخبرني بأنك كنت ولأربع سنوات وثمانية أشهر معي ومع غيري ..
لن تقنعني بأنني في كل مرة أودعك بها في المطار تستقبلك في
مطار آخر امرأة أخرى !.. لن أقبل بهذا يا عزيز ، لن أقبل بهذا ..
لطالما شعرت بأن اتصالاتك الكثيرة مريبة !.. سفرك المتكرر وحيدا
إلى مونتريال ليس بأمر طبيعي .. إصرارك على أن لا ألمس هاتفك
المحمول يؤكد أنك تخشى إطلاعي على ما فيه .. حاجتك الدائمة
للخمر ، سهراتك مع النساء ، اختفاؤك فجأة لليال عدة كلها
إشارات تؤكد على أنك لعوب ، أدرك بأنك لعوب .. لكنني أدرك
السيئات ! .. لكنك لم تخني أبدا .. اقسمت لي بأنك لم تفعل ،
قلت : سهري وشربي شيء .. وخيانتي لك شيء آخر ..! أخبرتني
بأنك شاب كغيرك ، من حقك أن تتمتع ببعض الحرية طالما لا
تخطئ بحقي .. قلت بأنك ملتزم بي ومعي ، قلت بأنك تحبني إلى
درجة لا تمكنك من الاقتراب من غيري .. وانت تدرك بأنك أن
فعلت سيعاقبك الله بخيانتي لك بعلمك أو من دون علمك ..
كنت أعلم بأنك تكذب كثيرا ، وبأنك مفرط في استغفالي ..
كنت أعلم بأنك تخفي عني ما يغضبني وما لا يرضيني .. لكنني لم
أكن أعلم بأننا كنا أكثر من اثنين ، لم أعلم بأننا كنا لما يقارب
الخمس سنوات أنا وأنت وهي وبضع نساء .. على الرغم من أن كل
الإشارات كانت تدل على أنك تؤمن بالأطراف المتعددة !..
أذكر بأنني قد كلمتك في أحد الصباحات المزدحمة من
الرياض ، كنت أقف حينذاك على بوابة الحي الدبلوماسي في صف
طويل من السيارات .. كان الشتاء قارسا ، جافا كعادة شتاء
العاصمة ، جلست خلف السائق وأنا متكورة من شدة البرد .. منتظرة
الإيذان لي بالمرور إلى السفارة الكندية وأنا شبه متجمدة .. كانت
الساعة تقارب السابعة صباحا .. ذهبت باكرا لأتمكن من الوصول في
الوقت المحدد خاصة وأن نقاط التفتيش الأمنية هناك ( تنخل )
السيارات نخلا قبل السماح لراكبيها بالمرور ، وقد كنت معي على
الهاتف ، تحاول أن تبث فيّ بعض الدفء .. التفت نحو السيارة
المجاورة ، كان السائق شابا صغيرا .. يكبرني بقليل أو قد يكون في
ذات عمري .. كان يتحدث عبر الهاتف بسعادة ، يضحك بخجل
فجأة .. ويحمر وجهه فجأة .. وابتسامة جميلة تعلو وجهه ..
قلت لك : عزيز .. بجواري عاشق !

سألتني : وكيف عرفت ؟
لن تقنعني بأن شابا سعوديا يقف في صف طويل منذ أكثر من
نصف ساعة .. يبتسم بكل هذه الرقة في السابعة صباحا بسبب زميل
عمل أو أحد أفراد عائلته ! ..
قلت : ربما يتحدث مع شقيقته ..
أجبتك بعناد : لا يتحدث شباب الرياض مع شقيقاتهم في هذه
الساعة من الصباح بكل هذا اللطف .. اسالني أنا !
قلت : قد يتحدث مع فتاة ، لكن هذا لا يعني أنها حبيبته ..!..
قد تكون صديقة .. معرفة .. أي شيء !
تعلو ابتسامة حب وجهه يا عزيز !
دعك من الأفلام الهندية يا بيبي .. قد يعرف الرجل في حياته
مئة امرأة .. لكن هذا لا يعني بأن كل امرأة منهن حبيبته .. يحتاج
الرجل لأن تكون في حياته أكثر من امرأة يا جمان . .
لكنها خيانة ..
لن أناقشك في هذا الآن .. لكل منا قناعاته !..
صمت وقتذاك وفي قلبي خوف كبير من ( قناعاتك ) لكنني وعلى الرغم من
كل البوادر .. لم أظن يوما بأنك ستفعل بي هذا ، ظننت بأنني سيدة قلبي كما تدعي !
لم أظن بأنني لست سوى امرأة من مجموعة من نسائك الكثر ..
أغلقت صفحة البريد الالكتروني .. ودخلت تحت طاولة المكتب ..
أخبرتني يوما بأنك تنزوي تحت مكتبك في كل مرة تشعر فيها
بالوحدة ، تدخل تحت مكتبك حينما تحتاج لأن تبكي .. ظننت
في البداية أنك تفعل هذا لكونك رجلا شرقيا لم يعتد البكاء في
الضوء .. إلا أنني فهمت بعد ذلك بأن الأماكن الضيقة تحتوي
أوجاعنا .. وتلملمها بإطار ضيق ومساحة صغيرة .. لتجعلها أخف
صخبا وأقل حدة !
كان صوت عبدالمجيد ( الذي تحبه !) رقيقا كعادته وهو يغني
الأغنية التي ( تعشقها ) !
يا نجومها .. والله بعيدة نجومها ..
يا همومها .. وش كثر أحب همومها ..!..
حبيني بس ..!..
خليني أحس ..
أن الهوى ما هو كلام ..
وان الأمل ما هو كلام ..
وتصدق الأحلام ..!..
دائما ما كنت تغني لي أغنية عبدالمجيد هذه .. كنت تختار
الأغنية بعفوية تحيرني .. شعرت بوجع في صدري وعبدالمجيد
يشدو : تصدق الأحلام .. أنت اللي بنتظرك عمر .. وأنت الي بصحى
لك وأنام ..!..
أخذت افكر بالعمر الذي يتحتم عليّ انتظاره .. بأيامه ، وأسابيعه
وشهوره وسنواته ونتيجته ! .. لا أظن بانني سأثق بك بعد كل ما
جرى يا عزيز .. لن أثق بعمر انتظرتك فيه لأنني لطالما انتظرتك
ولأنك لطالما خنتي ...لم يعد هناك .. حلم يجمعنا يا عزيز ! .. لم تصدق الأحلام ..
قلت لك ليلة بأنني سأحدث أحفادي عنك كثيرا .. سأحكي لهم
عن حكايتنا العظيمة .. وكم أحببتك وكيف أحببتني ..!
قلت لي وأنت تضحك : وأنا أيضا سأفعل .. سأحدث أحفادي عنك
.. سأبحث عنك وسأزوج أفضل أحفادي لأجمل حفيداتك ..!..
انهمرت دموعي بحرقة .. شعرت وكأنك قد لطمتني على وجهي
بكل ما أوتيت من قوة ..
صحت في وجهي : ما الأمر يا جمانة ..!.. ما الذي قلته
وأغضبك هذه المرة ..؟!..
قلت لك وأنا أنتحب محاولة ابتلاع مرارتي : أرجوك .. اريد أن
أقفل الهاتف الآن ..!..
صرخت في ّ : ما الذي حدث يا مجنونة ..؟!..
صحت في وجهك : ألا تفهم ..؟!.. لا أريد أن أتحدث معك الآن ..
صرخت بغضب : مع ألف سلامة ..!..
رميت سماعة الهاتف وأنا ألعنك كثيرا ، ألعن القسوة التي
خلقت منها ، العن أحلامي .. وتفاهتي ووقاحتك ..!..
أمسكت هاتفي وأرسلت إليك : كنت أتحدث عن ( أحفادنا ) ..
أحفادنا يا عزيز ، أحفادي أنا وأنت .. أحفادي منك !
أجبتني بعدها بدقائق : خففي من حدتك لأنني مللتها ..!..
تجاهلت كل ما بدر منك .. لتطلب مني بكل بساطة أن أخفف
حِدتي !.. وبقيت أسترضيك لأيام بعدها من أجل أن لا تغضب ،
فأخسر أحفادا أعرف الآن أنهم لن يولدوا أبدا .. لم تصدق الأحلام
يا عزيز .. ولن تصدق يوما ! ..
***
اتصلت بزياد .. كنت بحاجة لأن أسمع صوته .. لطالما اعتنى بي
زياد في أوقات خلافاتي معك يا عزيز .. لطالما كان رقيقا معي ..
يطبطب عليّ بحنان ورجولة .. يستمع إليّ بكل جوارحه وأنا أشتكيك
لساعات وساعات ، من دون أن يشعرني بملله أجابني hello lady!
قلت بحروف ترتجف من البكاء : زياد .. مساء الخير .. أأستطيع أن
أتحدث معك ..؟
Sure Jumanah!. What’s wrong lady!.. you are crying
كنت أشعر بشهقاتي تخرج من بين رئتي كسكاكين حادة : زياد ..
روحي تنزف ..
جمانة .. لا بأس ، أعرف بأنك متعبة .. أنا معك .. أعدك أن
أعتني بك حتى تعودي كما كنت .. ألا يكفيك هذا الوعد ؟
بلى .. يكفيني ..
ما رأيك في أن نلعب لعبة كي تشعري بالهدوء ..
اي لعبة هذه ؟
أخبرك سرا ، فتخبرينني آخر .. شريطة أن تكون الأسرار
خطيرة !
حسنا ! .. فلتبدأ أنت ..
أممم !.. أتذكرين أول مرة قابلناك فيها انا وعبدالعزيز في المقهى ..؟
نعم أذكر !
كان قد أخبرني قبلها بأيام عن فتاة عنيدة التقاها هناك ، أحب
عبدالعزيز عنادك منذ أن التقاك لأول مرة .. لذا ظللنا نتردد على
المكان لأيام عدة على أمل ان تعودي فيراكِ !..
ألم تجد سرا أخطر من هذا يا زياد ؟
لم أخبرك بالسر بعد !..
وما هو السر ..؟
في اليوم الذي التقيناك فيه ، كنت أحدث عبدالعزيز قبل أن
تدلفي إلى المقهى عن فتاة سعودية التحقت بالجامعة منذ أشهر ..
كنت مفتونا بها على الرغم من أننا لم نتحدث أبدا .. واكتشفت
بعد ذلك أنها لم تلحظني يوما !..
أها !..
رآك عبدالعزيز من خلال جدران المقهى الزجاجية قبل أن
تدخلي .. قال لي بأنك جئت وحينما التفت صدمت بأن فتاتي التي
حدثته عنها .. هي فتاته الذي ينتظر !..
سألته بدهشة : أكنت تعرفني ؟!..
لم أكن أعرفك ! .. كنت أصادفك .. حينما تدخلين وعندما
تخرجين ، أراقبك في مطعم الجامعة .. تبتسمين وتذاكرين وتكتبين ،
تعرفين بأنني أعاني من حالة خجل سخيفة ! .. لم أتجرأ على أن
أقترب منك يوما ، كنت بانتظار أن تسنح لنا الفرصة فنتحدث .. لكن
الأقدار جعلت عبدالعزيز يلتقيك في المقهى وساعدت جرأته
وخبرته في أن يتقرب منك ويعرفك أكثر ..
إلهي .. كيف لم تخبرني بهذا ؟!..
لم أخبر أحدا بهذا يا جمانة .. حتى عبدالعزيز .. لم أفكر في
أن أخبره أبدا .. لكن هيفاء كانت تعرف .. لأنه كان قد سبق لي
وأن سألتها عنك ..
أخبرتني هيفاء يوما عن سؤال أحد زملائنا عني .. لكنها لم
تخبرني بعد ذلك بأنك كنت أنت ..!.. لا أصدق بأن هيفاء استطاعت
أن تتكتم على هذا الأمر على الرغم من أنها ثرثارة وعلى الرغم من
أننا نبوح لبعضنا بكل شيء ..
كنت قد طلبت منها ألا تخبرك عن الأمر .. هيفاء طيبة جدا يا
جمانة ..! خافت أن تحرجني ..
شكرا لأنك أخبرتني بهذا الليلة ، كم يشعرني بالإطراء أن الفت
نظر رجل مثلك .. شكرا زياد .. كنت بحاجة لبعض الإطراء ولبعض
الدعم ..
Anytime lady!
أتدري يا زياد .. اشعر في كل مرة أتحدث معك فيها بأنك
ستحميني ، بأن أوضاعي ستتحسن .. وبأن شيئا جميلا بانتظاري ..
وأنا .. أشعر بالكثير حينما نتحدث .. أتدرين يا جمانة بأنك لم
تحدثيني عن نفسك طوال المدة التي عرفنا بعضنا فيها ..!.. لم
تتحدثي معي في شيء عدا عبدالعزيز ..
لا ارغب في الحديث عنه الآن يا زياد ..
ولا أرغب في أن تحدثيني عنه الآن يا جمانة .. حدثيني عنك ،
عن البدوية التي تحب أن تكتب .. حدثيني عما تكتبين وعما تقرئين ..
وكيف عرفت بأنني أحب أن أكتب ..؟
أولا .. شاهدتك عدة مرات وأنت تكتبين وحيدة !.. ثانيا أنت
( جوزائية !) .. كل امرأة جوزاء تحب الكتابة .. بالإضافة إلى أنه
سبق وأن قرأت بعضا مما كتبت لعبدالعزيز .. بمحض المصادفة ..
يرى عزيز أن لغتي متواضعة ..
وأنا أرى بأن لغتك جميلة .. وأكثر من جيدة ..
يبدو أن القاسم المشترك الوحيد بيننا نحن الثلاثة هو حب
اللغة يا زياد ..
صحيح .. جمعت اللغة ما بين طب الأسنان وهندسة الحاسوب
وإدارة الأعمال .. على فكرة ! what is your secret ؟
أممم ! .. سر ، سر ..! حسنا سأخبرك بسر لا يعرفه الكثيرون !..
في الثانوية العامة حصلت على معدل 85% !
وكيف التحقت بالبعثة وقبلت بالجامعة ؟
في البداية ، درست على حسابي الخاص ومن ثم التحقت
بالبعثة مؤخرا ..
Really!.. I didn’t know
من الطبيعي ألا تعرف الكثير ..
قد يدهشك بأنني أعرف أكثر مما تتوقعين ..
وقد يدهشك أنني أعرف الكثير يا زياد ...
أتعرفين بأنني ( ملتزم ) سابق ..؟
ولما أصبحت " سابقا " ..؟
لا أدري ! .. عندما جئت إلى هنا وتعرفت على عبدالعزيز
ومحمد .. قضيت حوالي العامين في نزاع .. لم أصبح مثلهما ولم
أظل على حالي ..! I changed ..
أي نزاع هذا الذي تتحدث عنه ..؟
كنت في الثامنة عشرة عندما وصلت .. جئت في وقت كانت
للمعارضة السعودية تحركاتها النشطة ، عاصرت الهجوم على أمريكا
هنا ومن ثم الحرب على أفغانستان والعراق .. تشتت ما بين معارضة
صاخبة ووطنية نشأت عليها ، ما بين عروبتي التي تنزف وما بين
الإنسانية التي انتهكت باسم الدين .. ما بين وطني الذي أعشق
وما بين الدولة التي أقيم فيها وأتعلم من خلالها كيف تكون الحياة ..
كان صراعا فكريا وعقائديا وسياسيا ، كنت أؤمن بفكر وبعقيدة
واؤمن بنقيضها في الغد .. كانت مرحلة انتقالية في حياتي .. تعبت
كثيرا حتى اتزنت ..
والآن .. بماذا وبمن تؤمن ..؟
I believe in GOD ، أؤمن به أولا ومن ثم أؤمن بالإنساية ،
كفرت بالسياسة والطائفية وما شابههما .. أؤمن بأن وطني حر وبأن
الإسلام دين السلام والتسامح والتعايش .. أحببت ذاك الوطن أكثر ..
وأحببت الإسلام أكثر وأكثر وأكثر .. وإن كنت مقصرا بحق الاثنين ..
بحق الإله وبحق الوطن .. إلا أنني أشعر بالحب تجاههما أكثر من
أي وقت مضى ..

لا بد من أنك قرأت كثيرا خلال هذه الفترة ..
اسأليني عن أي مثير للجدل .. ابتداءا من سيد قطب .. مرورا
بمصطفى محمود وبعبدالله القصيمي ، بجمال البنا وعبدالرحمن
بدوي .. وبمحمد شحرور .. وانتهاءا بنوال السعداوي ! ..
صدقني ! .. سيسعدني هذا ..
أصدقك ! .. قرأت مرة عن امرأة الجوزاء .. يقال بأن أسهل
طريقة للوصول إلى قلبها هي مخاطبة عقلها ، كما أنها تحب طرح
الأسئلة ..
يدهشني أن يطلع رجل على علم الفلك والأبراج ! .. عادة
الرجال لا يهتمون بهذا العلم ويعتبرونه مجرد خزعبلات ..
أؤمن ببعض ما فيه ..
اتعرف بأنني لا أعرف تاريخ ميلادك !
ولدت في 25/12/1982 م ..
ولدت في يوم ميلاد السيد المسيح ! ..
ويوم ميلاد السياب أيضا ، ولد بدر شاكر السياب في يوم ميلاد
المسيح .. كما ولد يوسف الخال وصلاح جاهين كذلك في اليوم
ذاته ..!.. في الخامس والعشرين من ديسمبر ..
إذا فمواليد الجدي شعراء ..
جبران وناجي من مواليد الجدي كذلك ، أليست بمفارقة
عجيبة ..؟
وهل عذبت في حياتك .. كمواليد الخامس والعشرين من ديسمبر ..؟
لم تكن حياتي سهلة ..؟ .. أظن بأن أقدار مواليد هذا اليوم غريبة ..
أتعرفين بأن بدر شاكر السياب توفي الرابع والعشرين من ديسمبر ..
اي في ليلة عيد ميلاده .
لم أعرف هذا من قبل ! ..
أعظم الشعراء من مواليد الجدي وأغلبهم ماتوا بمعاناة .. مات
جاهين مكتئبا .. ومات السياب وجبران ويوسف الخال بعد نضال مع المرض ..
ارجو أن تكون أقدارك سعيدة يا زياد ..
Thank you Jumanh, you are so nice..
تكبرني بعام ونصف إذن ..!.. ظننتك وعزيز في سن متقاربة ..
يكبرني بثمانية أعوام ..
تبدو أحيانا وكأنك أكبر منه ! .. قد يكون هدوؤك هو السبب ..
Maybe !
سرني الحديث معك يا زياد ، شكرا على وقتك .. وعلى لطفك
وعلى المعلومات الجديدة ..
سألني بتردد : ستنامين ..؟
ساحاول أن أنام لأتمكن من الذهاب إلى الجامعة في الصباح ..
تأخرت كثيرا في دراستي ... ولا بد من أن أستعيد زمام الأمور ..
Great يسعدني سماع هذا منك ، أتسمحين لي بالاتصال بك في
الصباح وإيقاظك ؟
لا داعي لأن تتعب نفسك ..
أرجوك ، يسعدني أن افعل ..
لا بأس يا زياد ، بإمكانك أن تتصل في أي وقت تشاء ..
I appreciated, good night !
نمت ومعدتي في حالة غليان !.. كنت أشعر وكأن يدا تعتصر
معدتي يا عزيز .. كنت أشعر بأنني خنتك بحديثي ذاك مع زياد ،
شعرت بأنني خنت الرجل الذي تخلى عني وتزوج من أخرى ..
الرجل الذي لطالما كان مع غيري والذي لم يكن معي وفيا أبدا !
لا أفهم كيف تنام كل ليلة ومعدتك تغلي يا عزيز أم أنك لم تشعر
بوجع الضمير قط!
في الصباح ، استيفظت على صوت زياد .. كان هادئا ، لطيفا ..
رقيقا إلى درجة لا تطاق .. لا أعرف أن كان لطف زياد لا يطاق أم
ان وفائي لك الذي لا يطاق يا عزيز .. يخنقني هذا الوفاء ويشعرني
بالسوء ، أتعبني وفائي ! .. تعبت من أن أظل وفية لرجل لم أعد
أملك منه / فيه سوى ذكريات .. إلهي يا عزيز ، بودي لو انتقمت
لنفسي منك ألف مرة مع ألف رجل ورجل لكنني لن أتمكن من أن
أصبح مثلك .. لا قدرة لي على أن أكون لغيرك ! .. يرعبني أن أكون
مع غيرك يا عزيز ..
مررت من منزلك في طريقي إلى الجامعة ، كانت سيارتك
مركونة أمام المنزل .. فحمدت الله كثيرا على أنني لن أراك ، دلفت
إلى الجامعة كارهة لكل ركن فيها .. لم تكن بانتظاري هذه المرة يا
عزيز . . لم أتخيل أن أدخل الجامعة يوما من دون أن تكون في
انتظاري ، لكنك لم تكون بانتظاري هذه المرة . لم يكن بانتظاري
سوى زياد ...
نلتقي أنا وزياد بأفكارنا كثيرا بينما نختلف أنا وأنت بصورة
شبه جذرية .. حينما ننطق أنا وزياد كلماتنا معا ، نصمت بعدها لثوان
ومن ثم ننفجر ضحكا دهشة وخوفا من توارد أفكارنا الغريب ..
قلت مرة ساخرا : أنا متأكد من أنكما ستكتشفان أخوتكما في
الحلقة الأخيرة !
يومها نطقت أنا وزياد ذات الكلمات وفي الوقت ذاته لثلاث
مرات ..
لا أعرف كيف يجذبني نقيضي إلى هذا الحد بينما شبيهي ناعم
رقيق إنسان إلى أقصى درجة !.. أنا وأنت كقطبي مغناطيس ، نتجاذب
بقوة على الرغم من اختلافنا ومن انعدام رغبتنا للتجاذب .. لست أدري
كيف انجذب بكل هذا العنفوان لرجل لا يروق لي الانجذاب
إليه ، وكيف أنفر من آخر فيه الكثير من مواصفات فارس أحلام ،
لا أفهم كيف أتوق إليك مع رفضي الداخلي لكل ما فيك يا عزيز ..
لطالما فكرت كيف ستنتهي الأمور بيننا .. فيما سننتهي إليه أنا
وأنت ... وربما زياد !..
أفكر كثيرا في النهاية التي تطلق عليها أنت ( الحلقة الأخيرة !)
ولا يتبادر إلى ذهني أي حل أو توقع كالألغاز المستحيلة ..
ضحكت أول مرة سمعت فيها مصطلح ( الحلقة الأخيرة ) هذا ..
كنت تحدثني عن إحدى رحلاتك إلى البر خلال مراهقتك وكيف
أنك تهت في الصحراء مع رفاقك بلا مؤنة .. بعد أن تعطلت السيارة
التي كنتم تستقلونها .. قلت لي : حينما حل الليل علينا يا بيبي ،
ظننت بأنها الحلقة الأخيرة ! ..
وأعجبني كثيرا وصفك للموت وللنهاية بهذا الوصف حينذاك ،
لكنني أفكر اليوم كثيرا في مدى تبسيطك للنهايات لدرجة ألا تكون
سوى حلقة أخيرة من سلسلة حلقات ..
يضخم زياد كل ما في الحياة ، وتبسط أنت كل ما يمر في
حياتك وكأنك لا تكترث ولا تهتز ولا تخاف ..
قلت لي مرة بأن الحب ( وحده ) القادر على فطر قلبك ..
لكنني ، لست أفهم كيف يفطر فؤادا كفؤادك يا عزيز ..
سألتك يوم ذلك .. عن إمكانية أن تحب امرأة متزوجة ..!..
قلت بعد تفكير : لا أعلم يا جمانة .. فالله هو الذي يسيرنا في
الحب .. نحن لا نختار الذين نحبهم ..
قلت لك : لكننا نرى وبوضوح أحيانا بأن بعض من نلتقهيم لا
يناسبوننا .. كأن يكونوا مرتبطين مثلا .. فلما نقحم أنفسنا في علاقة
نعرف بأنه لا مستقبل لها ...؟
سألتني : ألستِ تؤمنين كثيرا بـ مصطفى محمود ؟ .. أليس من
قال بأننا ( مخيرون فيما نعلم ، مسيرون فيما لا نعلم ) ؟
بلى .. لكنك مخير في البداية ، مسير في النهاية .. فهل تقدم على
البداية مع امرأة متزوجة ..؟
لست أدري جمانة ، ربما أفعل ..
كم هي هشة قيمك !

الفصل 8

اعتدلت في جلستك : لا ليست كذلك ، لكنني لست جبانا ، لا
تظني يوما بأنني سأتجاهل إمكانية أن أسعد مع امرأة لمجرد أنني
أخشى النهاية .. قد تكون النهاية تناسبني ، قد تسعدني النهاية ، فلما
أتخلى عن فرصتي خصوصا وأن إمكانية نجاح التجربة واردة ؟
تجازف في الحياة كثيرا يا عزيز ..
قلت وأنت تشير بيديك بانفعال : الحياة مغامرة كبرى .. إن
أردت بعض السعادة فما عليك سوى أن تغامري ، لن تجني شيئا
من خوفك يا جمانة . لا سعادة من دون مقامرة ..
أفضل أن أكون جبانة يا عزيز ..
قلت بسخرية : ألآن المقامرة حرام ؟..
قلت بعناد : لأنها حرام ، ولأن قيمي مقدسة ..
والحق .. إن قيمي لم تكن بتلك القداسة يا عزيز .. اضمحلت
قيمي لدرجة أنها لم تعد سوى بقايا قيم لا تتشابه مع ما كنت أؤمن
به يوما ...
لم أتخيل أن ارتبط بعلاقة ما بأحد أصدقائك .. لطالما تفاديتهم
احتراما لك أنت على الرغم من كونهم زملائي لكنني تنازلت عن
قيمي ، أو فلنقل بأنها من تنازلت عني فسايرت زياد بعلاقة أظن
بأنني كنت بحاجة لأن انتقم منك بداخلي من خلالها ، ولم أعرف
وقتذاك بأنني كنت أؤذي زياد ونفسي فقط ، لم أكن أدرك بأنه لم
يكن ليؤذيك من خلالي شيء يا عزيز ! .. لم أدرك ذلك أبدا ..

سافر زياد إلى الرياض ليشارك في حفل زفاف شقيقته بعد
أسبوعين من تواصلنا الجديد ، سافر قبل زفافها بليلتين .. وعاد
بعد ذلك بثلاثة أيام .. قابلته على برنامج ( الماسنجر ) ..!.. ثرثرنا كثيرا في
أمور عدة لم يتضمنك أي منها .. تصور بأننا بتنا نتجنب الحديث
عنك .. غريب أمر زياد ، معجبة هيفاء بزياد .. هيفاء التي لا تعجب
ببشر . . ومعجبة أنا به أيضا .. لا أنكر هذا لكنني لا أحب الاعتراف
به !..
يكبرني زياد بقليل .. يدرس طب الأسنان ، يكتب الشعر ،
يمارس الصحافة . . هادئ .. خجول ، رقيق .. مسالم وانطوائي على
الرغم من تميزه ، شتان ما بينكما يا عزيز .. شتان ما بينك وبين
زياد .. فعليا .. تنطبق على زياد مواصفات فارس أحلامي .. لكنك
فارس أحلامي وإن لم تنطبق عليك صفاته ! .. لطالما راودني خاطر
مخيف ، أشعر أحيانا بأنني كنت سأغرم بزياد لو لم ألتق بك ..
لكنني التقيتك أولا فعكرت صفو قلبي !..
يعاملني زياد بطريقة غريبة لم أفهمها يوما .. تقول هيفاء بأنها
تشعر أحيانا بأن زياد ( يحبني ) .. وأصدقك القول يا عزيز بأنني أشعر
بهذا أحيانا .. غريب هذا الرجل ! .. يحذرني منك ويصلح ما بيننـا ..
ينبهني إلى أخطائك ومن ثم يتستر عليك .. يدعوني إلى الابتعاد عنك
ونسيانك ويدعوك لتتزوج مني ، يدافع عني أمامك ويخلق لك
الأعذار عندي ! .. لم أفهم يوما أمر زياد .. ولا أظن بأنني سافهم !..
دعاني زياد لمكالمة مرئية عن طريق الماسنجر حالما سجلت
دخولي ، ومن دون أن يسلم .. استغربت كثيرا دعوته تلك ، لأنها
المرة الأولى التي يطلب مني ذلك .. ترددت في قبولها لكنني قبلتها
بعد أن تنبهت إلى أنه يراني كل يوم في الجامعة ، وصورتي الحية
من خلال الانترنت لن تختلف عن رؤيتي ( المباشرة !) يوميا .. كانت
أخته الصغيرة ذات الأربعة أعوام في حضنه ممسكة بلوحة صغيرة
كتب عليها ( أخي زياد يحبك كثيرا ) .. لم أفسر ما جرى تلك الليلة
سوى أنه لطف بالغ يمس شغاف القلب !.. لكنني وعلى الرغم من
تفسيري ( البسيط ) لما حدث ليلتها لم أتجرأ على إخبار هيفاء بما
جرى !..
زيد الطبيب الشاعر ، الشاعر الطبيب كناجي ، كإبراهيم ناجي
الشاعر الذي يعتبره الأطباء شاعرا .. ويعده الشعراء طبيبا . والحق
بأن ناجي مداو في الشعر والطب كزياد !..
ينشر زياد قصائده باسم ( ناجي )! .. لا أدري إن كان اختياره
للاسم عشوائيا .. لكن ناجي وزياد متشابهان ..
لا أدري كيف أصبح زياد لصيقا بي إلى هذا الحد .. لا أدري
كيف انغمسنا أنا وزياد في علاقة لا اسم لها .. لا يدري زياد إن
كان يحبني .. ولا أدري أي حب هذا الذي أحمله داخل قلبي
لزياد ، أخبره دوما بأنه صديقي الوحيد .. الرجل الوحيد / الصديق في
حياتي هو زياد ! .. أؤمن بالرجل كصديق أكثر مما أؤمن به كحبيب
وهو أمر لا يسعدني الإقرار به ..
أدرك جيدا بأن زياد يحب حبي لك يا عزيز .. يذهله هذا الحب
فيجذبه إلى المرأة التي تحب بهذه الاستماته ! .. يعشق الطريقة التي
أحبك بها يا عزيز ، يعشق زياد حبي وتكره أنت طريقتي في
الحب .. وأكره أنا كل هذا الحب .. وأحب أن يحبني رجل كزياد
وأن أحبه مثله ! .. ساخر هذا القدر ، شقي هذا القدر .. لئيم هذا
القدر ولا حل له ! ..
كنا نمارس أنا وهيفاء هوايتها المفضلة ( تناول الطعام بنهم )
والتي تصبح هوايتي أيضا في حالات ضيقي .. كنا نأكل بصمت
وبانشغال .. حينما اتصلت الدكتورة منى الثوار ، رميت هاتفي على
طاولة الطعام من دون أن أرد عليها وأنا أتناول البوظة من طبق
هيفاء .. قالت لي هيفاء وهي تتناول البوظة : من ..؟
منى ..
زكي ..؟
سخيفة ! .. منى الثوار !
زوجة سلطان ..؟
بعينها !
لما لا تجيبين عليها ..؟
لاحقا .. لست بمزاج يسمح لي أن أدردش مع أحد !
علا صوت الهاتف مجددا .. كانت منى المتصلة ..
هفوش ! ما الذي تريده مني ..؟
أجيبيها لكي تعرفي ..
اجبتها : مرحبا ..
منى : جمانة ! .. أين أنت ..؟! .. اتصلت بك عدة مرات ولم أتلق
منك أي رد .. قلقت عليك ! ..
عذرا حبيبتي .. كنت مشغولة خلال الأيام الماضية ...
لا بأس .. أعتذر على إزعاجك جمانة .. أولا أنا في غاية
الاشتياق لك ولهيفاء .. لا بد من أن نلتقي قريبا ..
بالتأكيد .. اشتقنا إليك أيضا ..
جمانة .. سألني عنك ليلة البارحة أحد أصدقائنا أنا وسلطان ..
يبدو أنه يحتاجك في بعض الأعمال .. قلت له بأنني سأستأذن منك
قبل إعطائه رقم هاتفك ..
سألتها بدهشة : ما اسمه ؟
ماجد ! .. ماجد العاتكي .. أتعرفينه ؟
ماجد العاتكي !
توقفت هيفاء عن لعق الملعقة وهي تنظر إليّ بدهشة ..
نعم ماجد ، أتسمحين لي بإعطائه رقمك ..؟
لا يا دكتورة ! .. قولي له بأنني رفضت هذا ..
ومع أنني كنت في حيرة من أمره وعن بحثه الغريب عني ..
وعلى الرغم من فضولي الشديد .. إلا أنني لم أرغب في رؤية
الرجل الذي أنهى حكاية حبنا المتوقدة بست كلمات كتبها لي في
ورقة صغيرة ! .. لم أرغب بأن أتحدث مع الرجل الذي تسبب بتخلي
( حب عمري ) عني ..
اتصل بي زياد حالما أنهيت المكالمة مع الدكتورة منى الثوار ،
فأخبرته بأنني سأعاود الاتصال به لاحقا ..
ضربت هيفاء يدي بالملعقة .. جموووووون ! ..
خير؟
ما أمرك مع زياد ..؟
لا أمر لي مع زياد ..
( نفتك من عوير .. نطيح بزوير )!
هيفاء .. تعرفين كما أعرف بأن زياد يعاملنا كأخواته ..!..لا
تنسجي قصصا خيالية ..
غمزت لي : أحمر وجهك بينما كنت تتحدثين إليه .
ضحكت : مريضة أنت !
أخبريني .. ما سر ولع الثلاثة بك ! .. ما الذي تأكلينه ليغرموا
بك ..؟
قلت لها وأنا أتناول ما تبقى من البوظة في طبقها :إنني آكل
( آيس كريمك ) !
قالت هيفاء وهي تبعد يدي عن طبقها : بودي لو رأيت وجه
منيرة عندما تعرف عن قصتك الجديدة مع زياد ! ..
تجاهلت هيفاء وفي راسي منيرة صديقتنا الرسامة الكويتية ..
منيرة بعمر هيفاء وزياد ، كانت ( حكاية حب ) أخرى .. أحبت منيرة
زياد وأحبها ( على ما يبدو !) بصمت .. كنت أعرف بأن علاقة حب
سرية تربط بينهما لكنني لم أفهم معنى ذلك الحب ( السري ) !
كانت صديقتنا ( الكويتية ) تلك تثرثر لنا في أحيان كثيرة عن زياد ..
أذكر الليلة التي بكت أثناءها في شقتي أنا وهيفاء بسببه .. كانت
تقول دوما بأن أهل الرياض ( قساة ) لأنهم يعيشون في ( قلب )
الصحراء بعيدا عن البحر .. تظن ( هي ) بأن أهل البحر أكثر حنانا
ممن يعيشون بعيدا عنه .. وأظن أنا بأنها مصيبة !.. تركت ( منيرة )
دراستها وعادت إلى الكويت بعد أن قطع زياد علاقته بها حيث لم
تستمر علاقتهما لأكثر من عام ، لأن زياد رفض الاستمرار بعلاقة
يظن هو بأنها لن تصل إلى بيت الزوجية فغادرت منيرة البلاد
بشجاعة تاركة خلفها دراستها ورجلا أحبته ، صدقت معه وصدق معها ..
تقول هيفاء بأن وراء كل قلب امرأة معطوب رجلا من ( الرياض ) ..
وأقول أنا بأن وراء كل رجل ( خائن ) من الرياض امرأة
بلهاء تصدقه !
لم أخبرك أبدا بمعرفتي بعلاقة زياد تلك .. ولم تخبرني بصريح
العبارة عن علاقتهما على الرغم من معرفتك بها ..
أذكر بأنني سألتك مرة ، ما أمر زياد مع الرسم ؟
أجبتني بخبث : لا أدري .. ربما يعشق رسامة !
لا أنكر بأنني شعرت بالغيرة من منيرة في أوقات كثيرة .. عرفت
زياد قبل أن يتعرف عليها .. بل أنا من قام بنسج خيوط المعرفة
بينهما .. وجدت منيرة فجأة تتورد .. فعرفت بقلب يدميه الحب بأن
قلبا آخر يحييه حب من نوع آخر ! .. لم تكن عيناي لتغفل عن نظرة
حب تلمع في عيني منيرة حينما يرد اسم زياد ، أحب الرسم كثيرا
وأغبط كل من يجيد الرسم .. ترسم منيرة بحرفية عذبة .. تثير في
نفسي ( غبطة ) تتفاقم أحيانا لتصل إلى حدود الحسد ! ..
عرضت عليّ منيرة يوما إحدى اللوحات التي رسمتها لزياد ..
كانت اللوحة خلابة ! سألتني حينها : ما رأيك ..؟
أجبتها : بودي لو أمزقها !
ألم تعجبك ..؟
بل هي رائعة ! .. أشعر بالغيرة منك حتى أكاد أن امزقها !
ضحكت منيرة التي كانت تحسدني بدورها على ( جنسية !)
أشارك زياد بها .. وتسهل لي ( برأيها ) الزواج منه على العكس منها ..
قضينا معا إحدى إجازات نهاية الأسبوع في مخيم ( نسائي ) .. أخذنا
نعد النجوم معا في العراء وتحت السماء متمنية كل واحدة منا
أمنية ..! راجين من النجوم أن تلمع لتتحقق الأمنيات ..
تمنت منيرة أن تتزوج زياد وتمنت لي أن أتزوجك ..
قالت هيفاء حينها : منيرة ! .. تخيلي ( تضرب ) الأمنية بالغلط !
وتتزوج جمانة من زياد ..
صاحت منيرة وهي تضربني بمعطفها : والله لأذبحها ..
قضينا ليلتنا ( البناتية ) تلك تحت السماء ، نحلم أحلاما حمقاء ..
متمنين تحققها ..
كانت أحلامنا تتجاوز النجوم فلم يتحقق منها شيء ..
***
في أول شهرين من بعد سقوطي ذاك .. لم أصادفك كثيرا ،
رأيتك ست أو سبع مرات في الجامعة .. كنت أدير ظهري في كل
مرة أراك فيها مهرولة إلى الناحية الأخرى وكأنني مطلوبة أمنيا
تخشى أن يقبض عليها .. لقد كانت رؤيتك توجعني .. تعكر مزاجي
لأيام .. رؤيتك كانت تثير في نفسي الألم ! .. لم يخفف من وجعي
ذاك سوى وجود زياد يا عزيز ، كنت أتصل به في كل مرة أصادفك
فيها محاولة أن أنشغل عنك باهتمامه بي لكنني وفي كل مرة أغلق
معه سماعة الهاتف .. يتراءى لي وجهك ، يتردد في أذني صوتك
وكأنني لم أتمكن أن الهو عنك أبدا .. أفتح جهاز حاسوبي
لأستعرض صورك المحفوظة فيه ، ابتسم أمام كل صورة تشع منها
ابتسامته المضيئة .. وأعبس أمام كل صورة ترفع فيها أحد حاجبيك
بغرور .. كثيرة هي صورنا معا ، التقطنا الكثير من الصور خلال
سنواتنا معا وكأننا زوجان .. لم نخش أن نفقد صورة ولم نقلق من
أن تتسرب أخرى ! .. كنا نشعر ( غالبا !) وكان علاقتنا طبيعية ومسلم
بها ولا غريب فيها .. كان من المفترض أن نظل معا ، أن نكبر معا
وأن نتذكر شبابنا من خلال الصور حينما نشيخ ! .. وعدتني أنت بهذا
كما وعدتك أنا .. وعدتني بأمور كثيرة .. فكيف تنهي ما بيننا قبل أن
تفي بوعودك يا عزيز ؟ .. كنت تقول لي بضيق عندما أذكرك بوعودك
المنسية ( استجدت امورا ) .. وكأنك عندما وعدتني اشترطت لتنفيذ
وعودك أن لا تستجد أمور ! .. من البديهي أن تستجد أمور يا عزيز ..
في كل لحظة من حياتنا تستجد أمور لكن ذلك لا يعني أن ننسى
وعودنا ، فلماذا ننساها ؟ .. كنت أتجنب رؤيتك في الجامعة ، لم
أشأ أن نلتقي أبدا ! .. لكنني ومع هذا كنت أدخل برنامج ( الماسنجر )
في كل يوم لأتأكد من وجودك .. أتفرج على اسمك حينما تكون
متصلا بالبرنامج ، وأنتظر دخولك حينما لا تكون متصلا .
من خصائص البرنامج خاصية ( الحضر / المنع ) .. حظرت عليك
رؤيتي متصلة في وقت اتصالي ، كنت تغير اسمك كثيرا .. تضع
أبيات شعر حالكة السواد .. كنت اعرف بأنك لم تكن في حالة
جيدة يا عزيز .. من المضحك أن أدعي معرفتي بك بعد كل هذا !
لكن قلبي أنبأني بأنك لست بحال جيدة .. أخبرتني مرة .. أنك لا
تختار أبيات ايليا أبو ماضي إلا في حالاتك المحبطة وبأنك
لا شعوريا تنتقي أبيا نزار في حالات عشق حادة .. مضى وقت
طويل على أبيات نزار يا عزيز .. منذ أن تركتني ..
استلقيت على فراشي واضعة حاسوبي المحمول إلى يميني ..
كنت أراقب اسمك ، فقط اسمك ! .. اشتقت إليك كثيرا يا عزيز ..
اشتقت لرؤية اسمك متصلا ، اشتقت للحديث معك ، اشتقت
لشجارنا معا .. لتدليلك إياي ، اشتقت لأن نتشاجر بأسمائنا في
الماسنجر دون أن نتحدث .. اشتقت لأن تغازلني علنا باسمك يا
عزيز ! .. قلت لي مرة بأنني كالشمس ، لا نشعر بقيمتها إلا بعدما
تغرب وتغيب .. مضت فترة طويلة يا عزيز من دون شمس .. بلا دفء
ولا ضوء .. فهل اكتفيت بضوء بديل ! .. ايكفيك دفء مختلق .. وضوء
مصطنع ..؟!..
كانت عيناي معلقتين بالشاشة حينما غيرت اسمك فجأة ..
كتبت : ( عيد سعيد جمانة ، قبل الزحمة !) ..
تبقى على العيد أكثر من ثلاثة أسابيع فلماذا تستعجل تهنئتي
به !.. لماذا الآن ؟ .. وكأنك تدرك بأنني على الجهة الأخرى أرقبك
طوال اليوم ، أرسلت إليّ برسالة على هاتفي .. ( أعرف أنك
حاظرتني .. كنت بقولك عيد سعيد قبل الزحمة ..!) .. غريب أنت يا
عزيز ! أتكون اشتقت إلي ! ! أم تخشى ألا تذكر وجودي في العيد
وأن تفوتك تهنئتي حينها ؟ .. قد أدعي معرفتك .. لكنني لا أدعي
استيعاب مآربك ! .. كتبت إليك الرد عشرات المرات ، كنت أكتب
وأتراجع لأكتب من جديد فأتراجع مجددا ! .. قضيت حوالي الساعة ،
أفكر فيما أرد عليك فيه .. أرسلت إليّ برسالة أخرى ( كانت تهنئة ،
لا أقل ولا أكثر ! ) ...
كانت تهنئة لا أقل ولا أكثر تعني أحد أمرين .. أما أن تقصد
بأن تهنئتك مجاملة وأنني لم أعد أعني شيئا ، وإما أن تأخري في
الرد عليك أصاب كبرياءك في مقتل ! ..
ألجمتني رسالتك الأخيرة فقررت عدم الرد ..
ما الذي كان بإمكاني قوله يا عزيز ..؟!..
أأرد عليك : بأنني أعرف هذا ..؟!..
أم أشكرك على تهنئة مبكرة ليست إلا ( مجرد تهنئة ) ..؟..
مضى وقت طويل ، قالت لي هيفاء بأنني قاب قوسين أو أدنى
من أن أتجاوز علاقتنا تلك .. لكنني لم أشعر بذلك يا عزيز ، لم أشعر
بذلك أبدا يا حبيبي ! ..
لم أخبر أحدا برسائلك .. حاولت أن أتجنب الأماكن التي
تتواجد بها عادة ! .. لكنني ظللت أفكر فيك طوال الوقت ، اقرأ
رسالتيك كل دقيقتين أو ثلاث وكأنني أبحث فيهما عن ملامحك ،
عن صوتك .. كنت في غاية الشوق غليك ، في غاية الشوق وفي غاية
الكره ! ..
اتصلت بك بعدها بيومين ، جف الصبر في عروقي فاتصلت ..
لم أتمكن من أن أسيطر على شوقي إليك .. ضغطت بأصابع ترتعش
على أزرار الهاتف وأنا على يقين من أنني سأندم على اتصالي بك ..
لكنه الشوق ومثلك يعرف بأنه لا قدرة لي على مقاومة ذلك ..
أجبتني خلال ثوان .. هلا ! ..
كانت الأجواء حولك صاخبة ( كالعادة ! ) ، أصوات مختلطة
وأغان مزعجة وسكر بأعلى صوت ..
أهلا عبدالعزيز ، كيف حالك ؟
كيف حالي ! .. كيف حالك أنت ، ما الذي ذكرك بي ..؟
وهل نسيتك لأذكرك ! ..
ارتفع صوتك باكيا .. لماذا اتصلت ..؟! لماذا ..!.. أحاول أن
أنساك فلماذا تتصلين ؟؟
قلت وأنا أحاول ابتلاع ريقي : أنت من أرسل إلي! .. على أي
حال أعتذر على اتصالي ..
صرخت : لا تغلقي الهاتف ..! .. اسمعي !.. تعالي .. كلميني !
أجبتك بصوت باك : ما زلت معك .
كنت أكذب .. لم أرسل رسالتي تلك لأهنئك .. أرسلتها لأنني
أشتقتك ِ، انتظرت اتصالك لكنك لم تفعلي ! .. أفتقدك جمان .. أكاد
أن أجن من دونك ..
قلت لك بعتب : أتحبني إلى هذا الحد !
صحت من بين دموعك : أنت غاضبة ! .. أعرف هذا يا جمان ،
يحق لك ان تغضبي مني ... صدقيني حاولت أن أبتعد ، حاولت أن
أنساك لكنني لم أستطع .. أرجوك جمان فلنحاول من جديد ! ..
ألم تتعب من محاولاتنا الكثيرة في أن نبدأ من جديد ..؟!..
مهما حاولنا ومهما جربنا ستعيدنا إلى حيث كنا يا عزيز .. أتعرف
لماذا ..؟!.. لأنك لم تحبني في حايتك قط ..

صرخت وأنت تبكي : هذا غير صحيح .. أحبك ، أتنفسك ،
أعشق التراب الذي تمشين فوقه .. أنت جمانتي أنا ! .. أنت وجع
قلبي أنا .. ودمي الذي يجري في أوردتي .. أخطأت وستسامحينني ،
ستسامحينني لأنني عزيز الذي تحبين ، ستسامحينني لأننا لا نفترق ..
لأنك مني ولأنني منك .. أرجوك لا تعذبيني أكثر .. أنا متعب ،
مريض .. أصبحت أكره كل ما في حياتي منذ غضبت ، أرجوك
أعيديني إلى حضنك يا جمان .. أرجوك ..
حبك الذي تدعيه مقرف ..! أتفهم معنى أن يكون حبك
مقرفا ! ..؟!.. أي حب هذا الي يجعلك تعيش معي ومع غيري ؟! أي
حب هذا الي يجعلك ترسل إليّ بأنك تحبني وفي حضنك
أخرى ! .. أسألك بالحب الذي تدعيه كم من مرة فعلتها ؟
تزوجيني واسجنيني .. اسجنيني في بيتك !.. لا تسمحي لي بأن
أخرج أبدا !
أتظن بأنني يائسة إلى الحد الذي يجعلني أقبل بأن اتزوج رجلا
أعرف بانه قد مر تحت جسده عشرات النساء قبلي ! .. أهذا تقديرك
لي بعد كل هذه السنوات يا عبدالعزيز ..؟
أعترف بأنه قد مر قبلك عليّ الكثير .. لكنني أقسم لكِ بالرب
الذي بإمكانه أن يحرمني منك بأنه لن يمر بعدك أحد .. أنا على
استعداد لأن اقبل قدميك أمام الدنيا بمن فيها لترضي عني وتقبلي
بي .. ضعي الشروط التي تناسبك .. اختاري الضمانات التي تطمئنك ..
ضعي الشهود ممن ترغبين على ما بيننا ..! أنا راض بكل هذا ...
والحقيرة التي تزوجتها ..؟
أطلقها الآن ؟ .. سأذهب إلى مونتريال على أقرب طائرة
متوجهة إليها ، تعالي معي وتأكدي بنفسك .. نذهب أنا وأنت وزياد
وهيفاء ومحمد إن أردت ! ..
لا أعرف ، لن أفكر في شيء قبل أن تنتهي منها .. على أي
حال .. لن أفسد عليك سهرتك .. قد نتحدث بعدما تنتهي من
موضوعك معها ..
قلت بخوف : لا لا .. أنا سأعود إلى البيت الآن .. أنا هنا فقط
لأنني جرحت من تجاهلك لي ! .. سأعود إلى البيت وسأرسل إليك
عندما أدخل إلى فراشي .. لتتأكدي من أنني في البيت ..
لطالما أرسلت إليّ لتخبرني بأنك في فراشك وأنت في أماكن أخرى !
أرجوك صدقيني .. سأتصل بك إن سمحت لي ..!.. أو اتصلي
بباتي لتتأكدي من أنني في المنزل ..
لا لزوم لهذا ..
سأرسل إليك حينما أدخل فراشي وسأنهي موضوع ياسمين
خلال أيام .. ارجوك .. تمسكي بي قليلا ، تمسكي ببعض الحب الذي
كان يربطك بي .. إن لم تتمكني من التمسك به ، اسمحي لي فقط
بأن أتمسك بك .. لا تحرميني من أن أفعل هذا .. ارجوك جمانة ..
أغلقت الهاتف ، وفي قلبي تدفقت شلالا من أمل !
تصور يا عزيز ! .. اكتشفت أنني يائسة بالفعل .. حاولت أن أطرد
فكرة أن تستمر على سوئك ، حاولت إقناع نفسي بأنك ستتغير ..
صوتك يقول إنك تحبني ، يقول بأنك ستتغير .. لذا انتظرتك وطال
انتظاري !
جاءتني رسالته في عصر اليوم التالي بعد انتظار نصف يوم
( جمانة .. حلمت بأنك اتصلت ليلة أمس .. لطالما كنت جميلة في
أحلامي !)
ظننت بأنك تحلم ، ولم أخبرك حتى اليوم بأنني قد حادثتك
فعلا ليلتها ! .. ثأرت لانتظاري بتجاهلك وبإدعاء كون مكالمتي مجرد
حلم .. فلطالما كنت جميلة في ( أحلامك ) ! ..

أحدث أقدم