الفصل 9
دائما ما كنت تقول بأن الأطفال ليسوا إلا مجرد جواسيس
صغيرة الحجم ، تحبهم كثيرا لكنك تحذرهم بشدة .. تطلب مني دوما
أن أحذر الأطفال ، وأن لا أذكر شيئا خاصا أو هاما أمامهم .
حينما كنا في الرياض .. اتصلت بي عندما كنت ألعب مع
( نوف ) ابنة خالي ذات الثلاثة أعوم ، طلبت منك أن تكلمها
رفضت في البداية ، قلت لي بأنها ستفضحنا ! .. لكنني أصررت على
أن تكلمها .. كانت أصغر من أن تفهم معنى ما بيننا .. فوافقت على
مضض .. قلت لها أثناء حديثك معها بأنك زوج الخالة جوجو ! ،
وطلبت منها قبل ان تنهي المكالمة أن تقبلني .. قلت : بوسي خالة
جوجو .. قولي لها عمو عبدالعزيز يبي بيبي حلو منك ...
سألتك : يعني إيش ؟
قلت : يعني تولد لي بنوتة حلوة زيك ..
قبلتني بعد أن أغلقت الهاتف ونسينا ما حدث بعدما أوصلت
الرسالة .. أو هكذا ظننت ! ..
كنت في مجلس يغص بنساء العائلة بعدها بحوالي الاسبوع ،
حينما أشارت نوف بيدها إليّ : خالة جوجو في بطنها بيبي !
ضحكت الموجودات على خيال الطفلة الواسع .. فقالت محاولة
أن تثبت لهن صدقها : ما أكذب ! عمو عبدالعزيز علمني !
سألتها والدتها : من هو عمو عبدالعزيز ..؟
هزت كتفيها ببراءة : عمو عبدالعزيز زوج خالة جوجو ..!
أخذت أفتعل الضحك .. وأنا ألعن في سري اليوم الذي طلبت
منك فيه أن تكلمها ..
قلت لك في المساء : عزيز ...! .. نوف كادت أن تفضحنا ...
قلت لي بانفعال : ألم أقل لك بأنها ستفضحنا ..!.. بيبي ..
الأطفال السعوديون لا يجيدون شيئا كفضح الأسرار .. تذكرين
أمامهم عشرات الحكايات ولا يحفظون من بينها سوى الحكاية التي
تسيء إليك .. وكأنهم يعرفون بأن في هذه الحكاية سرا .. أو أن فيها
ما يسيء !..
والحق يقال بأنهم هكذا ..! .. قد لا تدرك يا عزيز بأن أسوأ ما
في مدينتنا ( برأيي !) .. هو أن أجبر على أن أحادث حبيبي بصفته
امرأة .. وأن يجبر ( هو ) على أن يتحدث معي بصفتي رجلا ..
مضطرون ! .. يؤسفني أننا مضطرون على أن نتحادث بهذا
الشكل حينما نكون وسط جمع من الناس .. يؤسفني أننا مكرهون
على إلغاء هوية الآخر الجنسية حتى لا يصادر الحب ، حتى لا
نضطر لإنهاء العلاقة .. أو لفقدان احترام الآخرين لنا ...
كنت مع صديقاتي في أحد المطاعم ، عندما اتصلت بي ..
سألتك : أين أنت الآن ..؟
قلت لي في طريقك للقصيم ..
سألتك من دون أن أنتبه : أنتي الي تسوقين ..؟
أذكر كيف أن صديقاتي انفجرن ضحكا .. كان سؤالي في منتهى
السذاجة ، كان من الغباء أن أسأل فتاة إن كانت تقود سيارتها في
بلد لا يسمح فيه بقيادة المرأة ! .. حاولت أن أبرر لهن الموضوع بعد
أن أغلقت الهاتف بشتى الطرق .. تحججت بأنني اعتدت على أن
النساء يقدن السيارات في كندا .. وبأنني نفسي أقود سياتي هناك ..
لكن أعذاري كانت مضحكة بالنسبة لفتيات يمررن بالوضع نفسه
وبذات الظروف ويعانين من المأساة عينها !
أذكر أنك اخطأت الخطأ نفسه بعدها بأيام .. كنت في المزرعة
مع أصدقائك .. اتصلت بك لأطمئن عليك .. كنت تتحدث معي
باقتضاب وعلى أنني رجل ! .. عرفت بأنك مع أصدقائك من صيغة
المذكر التي كنت تحدثني بها .. فآثرت أن أتصل بك لاحقا كي لا
أحرجك .. قلت لك قبل أن أنهي المكالمة بأنني أحبك ..
أجبتني : وأنا أيضا أحبك ..
أذكر كيف أخذت أصوات أصدقائك تتعالى ساخرة حتى أنك
نفسك انفجرت ضحكا .. كان الموقف سخيفا وقتذاك .. لكنني الآن
أجده مؤلما للغاية !
أحب تلك المدينة يا عزيز . لكنني لا أحب أن تصادر فيها
مشاعرنا .. قلت لي مرة بأن الحب في بلدنا يرضخ لقمع المجتمع
ولديكتاتورية التقاليد .. قلت لي بأن الحب في مدينتنا ثورة يائسة ..
وانقلاب فاشل .. لن يكتب لهما النجاح اطلاقا !
لكنني وعلى الرغم من كل حكايات الحب الفاشلة التي
شهدتها .. أدرك جيدا بأن الرياض تنبض عشقا وبأن الآلاف في
مدينتنا .. يعيشون على حب ويموتون على آخر .. وبأننا نحمل مدينتنا
ذنب قسوة تصدر على الرغم منها ..
أتذكر ..
صغيرة الحجم ، تحبهم كثيرا لكنك تحذرهم بشدة .. تطلب مني دوما
أن أحذر الأطفال ، وأن لا أذكر شيئا خاصا أو هاما أمامهم .
حينما كنا في الرياض .. اتصلت بي عندما كنت ألعب مع
( نوف ) ابنة خالي ذات الثلاثة أعوم ، طلبت منك أن تكلمها
رفضت في البداية ، قلت لي بأنها ستفضحنا ! .. لكنني أصررت على
أن تكلمها .. كانت أصغر من أن تفهم معنى ما بيننا .. فوافقت على
مضض .. قلت لها أثناء حديثك معها بأنك زوج الخالة جوجو ! ،
وطلبت منها قبل ان تنهي المكالمة أن تقبلني .. قلت : بوسي خالة
جوجو .. قولي لها عمو عبدالعزيز يبي بيبي حلو منك ...
سألتك : يعني إيش ؟
قلت : يعني تولد لي بنوتة حلوة زيك ..
قبلتني بعد أن أغلقت الهاتف ونسينا ما حدث بعدما أوصلت
الرسالة .. أو هكذا ظننت ! ..
كنت في مجلس يغص بنساء العائلة بعدها بحوالي الاسبوع ،
حينما أشارت نوف بيدها إليّ : خالة جوجو في بطنها بيبي !
ضحكت الموجودات على خيال الطفلة الواسع .. فقالت محاولة
أن تثبت لهن صدقها : ما أكذب ! عمو عبدالعزيز علمني !
سألتها والدتها : من هو عمو عبدالعزيز ..؟
هزت كتفيها ببراءة : عمو عبدالعزيز زوج خالة جوجو ..!
أخذت أفتعل الضحك .. وأنا ألعن في سري اليوم الذي طلبت
منك فيه أن تكلمها ..
قلت لك في المساء : عزيز ...! .. نوف كادت أن تفضحنا ...
قلت لي بانفعال : ألم أقل لك بأنها ستفضحنا ..!.. بيبي ..
الأطفال السعوديون لا يجيدون شيئا كفضح الأسرار .. تذكرين
أمامهم عشرات الحكايات ولا يحفظون من بينها سوى الحكاية التي
تسيء إليك .. وكأنهم يعرفون بأن في هذه الحكاية سرا .. أو أن فيها
ما يسيء !..
والحق يقال بأنهم هكذا ..! .. قد لا تدرك يا عزيز بأن أسوأ ما
في مدينتنا ( برأيي !) .. هو أن أجبر على أن أحادث حبيبي بصفته
امرأة .. وأن يجبر ( هو ) على أن يتحدث معي بصفتي رجلا ..
مضطرون ! .. يؤسفني أننا مضطرون على أن نتحادث بهذا
الشكل حينما نكون وسط جمع من الناس .. يؤسفني أننا مكرهون
على إلغاء هوية الآخر الجنسية حتى لا يصادر الحب ، حتى لا
نضطر لإنهاء العلاقة .. أو لفقدان احترام الآخرين لنا ...
كنت مع صديقاتي في أحد المطاعم ، عندما اتصلت بي ..
سألتك : أين أنت الآن ..؟
قلت لي في طريقك للقصيم ..
سألتك من دون أن أنتبه : أنتي الي تسوقين ..؟
أذكر كيف أن صديقاتي انفجرن ضحكا .. كان سؤالي في منتهى
السذاجة ، كان من الغباء أن أسأل فتاة إن كانت تقود سيارتها في
بلد لا يسمح فيه بقيادة المرأة ! .. حاولت أن أبرر لهن الموضوع بعد
أن أغلقت الهاتف بشتى الطرق .. تحججت بأنني اعتدت على أن
النساء يقدن السيارات في كندا .. وبأنني نفسي أقود سياتي هناك ..
لكن أعذاري كانت مضحكة بالنسبة لفتيات يمررن بالوضع نفسه
وبذات الظروف ويعانين من المأساة عينها !
أذكر أنك اخطأت الخطأ نفسه بعدها بأيام .. كنت في المزرعة
مع أصدقائك .. اتصلت بك لأطمئن عليك .. كنت تتحدث معي
باقتضاب وعلى أنني رجل ! .. عرفت بأنك مع أصدقائك من صيغة
المذكر التي كنت تحدثني بها .. فآثرت أن أتصل بك لاحقا كي لا
أحرجك .. قلت لك قبل أن أنهي المكالمة بأنني أحبك ..
أجبتني : وأنا أيضا أحبك ..
أذكر كيف أخذت أصوات أصدقائك تتعالى ساخرة حتى أنك
نفسك انفجرت ضحكا .. كان الموقف سخيفا وقتذاك .. لكنني الآن
أجده مؤلما للغاية !
أحب تلك المدينة يا عزيز . لكنني لا أحب أن تصادر فيها
مشاعرنا .. قلت لي مرة بأن الحب في بلدنا يرضخ لقمع المجتمع
ولديكتاتورية التقاليد .. قلت لي بأن الحب في مدينتنا ثورة يائسة ..
وانقلاب فاشل .. لن يكتب لهما النجاح اطلاقا !
لكنني وعلى الرغم من كل حكايات الحب الفاشلة التي
شهدتها .. أدرك جيدا بأن الرياض تنبض عشقا وبأن الآلاف في
مدينتنا .. يعيشون على حب ويموتون على آخر .. وبأننا نحمل مدينتنا
ذنب قسوة تصدر على الرغم منها ..
أتذكر ..
كنا في الرياض .. في إحدى الليالي الممطرة القليلة التي
قضيناها هناك ، كنت في حجرتي أجلس إلى طاولة المكتب .. متكئة
على النافذة وعلى أذني سماعة الهاتف .. ولقد كنت على الطرف
الآخر من المدينة .. متكئا مثلي ، منتشيا كما كنت منتشية ..
سألتني ليلتها ونحن نراقب المطر في ساعات الفجر الأولى
وقبل أن يبزغ النور : جمان ! .. كم من عاشقين في الرياض يسهران
الآن مثلنا على الشباك ؟!..
أجبتك لا أحد يا حبيبي ، لا أحد ..
قلت بحرارة : أنظري جمان ! .. أنظري .. كلهم نائمون ! ..ليس
هناك من مستيقظ سوانا .. أنا وأنت في كل هذه الرياض ! .. تذكري
دوما بأننا قد سهرنا ليلة على شبابيك مدينتنا وشهد زائر نادر
الحضور على حبنا العظيم بينما كان أهل الرياض نائمين يغطون في
نومهم ببرود ..
ليلتها .. كنت أنظر من على علو إلى المنازل ، كنت أرى اضواء
المنازل المطفأة وروحي تحلق بزهو في سماء المدينة .
شعرت ليلتها بأننا العاشقان الوحيدان في هذه الرياض ، وبأن
مدينة جافة كمدينتنا لم تشهد يوما على حكاية حب تشبه حكايتنا .
ونسيت يا عزيز .. نسيت بأن غرفتي لم تكن مضاءة كغرفتك
المطفأة الأضواء ،، كمئات الآلاف من الغرف في ذلك الوقت ، في
تلك المدينة ..!.. لا أدري يا عزيز .. إن كان من الطبيعي أن يشعر
المحب بأنه لا يوجد في الدنيا سواه وشريكه في حالة حب .. لكننا
لطالما شعرنا بهذا ، ظننا ولفترة طويلة بأنه لا يحب عاشقان
بعضهما كما نفعل .. ولا يرغب عاشقان ببعضهما بعضا كما كنا
نرغب نحن .. لكنني اعرف اليوم بأن العشق لطالما عطر أجواء
الرياض بنا ومن دوننا !
طلبت منك مرة .. أن تتعشى في أحد المطاعم ، في أعلى مطعم
موجود بأعلى ناطحة سحاب في الرياض .. رجوتك أن تفعل .. كنت
ارغب في أن ترى مدينتنا من علو ! .. أن تشعر بها ، بشوارعها
وأضوائها وكل ما فيها .. كنت على يقين من أن رؤيتها بهذا الشكل
ستؤثر بك ..
اتصلت بي وقتذاك ، قلت : جمان ، أنا في المطعم .. جميل
وهادئ .. وملهم للكتابة ..
سألتك : أترى كم هي رقيقة مدينتنا ؟
قلت لي بسخرية : والله ما أشوف إلا غبار ! .. انكتم صدري !
صحت فيك بغضب : ولد !..
قلت وأنت تضحك : والله إني صادق ! تبيني أكذب عليك
وأقولك ايه شايف وانا ما أشوف إلا غبار ؟
قلت لك بعصبية : خلاص ، مع السلامة .. انا بقفل الحين !
قلت وأنت تضحك : والله إنك مشكلة ! .. إذا كذبت تزعلين ،
وإذا قلت الصدق برضو تزعلين .. ما عرفت لك والله .
أعرف بأن رجلا مثلك لن يتمكن من أن يكمل حياته في مدينة
كمدينتنا ، أعرف بأنك لن تعيش فيها .. ولا حتى قريبا منها .. تخنقك
الرياض يا عزيز ، تخنقك الرياض ومن فيها ..
أرسلت إليّ في إحدى لياليها بإحدى قصائد نزار قباني ،
كتبت :
لماذا في مدينتنا ..
نعيش الحب تهريبا وتزويرا ؟
ونسرق من شقوق الباب موعدنا ،
ونستعطي الرسائل والمشاوير
لماذا في مدينتنا ..
يصيدون العواطف والعصافير ..
لماذا نحن قصدير ؟
وما يبقى من الإنسان ..
حين يصير قصدير ؟
لماذا نحن مزدوجون ،
إحساسا وتفكير ؟
لماذا نحن أرضيون ..
تحتيون .. نخشى الشمس والنور ؟
لماذا أهل بلدتنا ؟
يمزقهم تناقضهم ! ..
ففي ساعات يقظتهم
يسبون الضفائر والتنانير
وحين الليل يطويهم ،
يضمون التصاوير !
أسائل نفسي دائما ..
لماذا لا يكون الحب في الدنيا ؟
لكل الناس ! .. كل الناس ..
مثل أشعة الفجر ..
لماذا لا يكون الحب مثل الخبز والخمر ؟
ومثل الماء في النهر
ومثل الغيم ، والأمطار ،
والأعشاب والزهر !
أليس الحب للإنسان
عمرا داخل العمر ؟!
قضيناها هناك ، كنت في حجرتي أجلس إلى طاولة المكتب .. متكئة
على النافذة وعلى أذني سماعة الهاتف .. ولقد كنت على الطرف
الآخر من المدينة .. متكئا مثلي ، منتشيا كما كنت منتشية ..
سألتني ليلتها ونحن نراقب المطر في ساعات الفجر الأولى
وقبل أن يبزغ النور : جمان ! .. كم من عاشقين في الرياض يسهران
الآن مثلنا على الشباك ؟!..
أجبتك لا أحد يا حبيبي ، لا أحد ..
قلت بحرارة : أنظري جمان ! .. أنظري .. كلهم نائمون ! ..ليس
هناك من مستيقظ سوانا .. أنا وأنت في كل هذه الرياض ! .. تذكري
دوما بأننا قد سهرنا ليلة على شبابيك مدينتنا وشهد زائر نادر
الحضور على حبنا العظيم بينما كان أهل الرياض نائمين يغطون في
نومهم ببرود ..
ليلتها .. كنت أنظر من على علو إلى المنازل ، كنت أرى اضواء
المنازل المطفأة وروحي تحلق بزهو في سماء المدينة .
شعرت ليلتها بأننا العاشقان الوحيدان في هذه الرياض ، وبأن
مدينة جافة كمدينتنا لم تشهد يوما على حكاية حب تشبه حكايتنا .
ونسيت يا عزيز .. نسيت بأن غرفتي لم تكن مضاءة كغرفتك
المطفأة الأضواء ،، كمئات الآلاف من الغرف في ذلك الوقت ، في
تلك المدينة ..!.. لا أدري يا عزيز .. إن كان من الطبيعي أن يشعر
المحب بأنه لا يوجد في الدنيا سواه وشريكه في حالة حب .. لكننا
لطالما شعرنا بهذا ، ظننا ولفترة طويلة بأنه لا يحب عاشقان
بعضهما كما نفعل .. ولا يرغب عاشقان ببعضهما بعضا كما كنا
نرغب نحن .. لكنني اعرف اليوم بأن العشق لطالما عطر أجواء
الرياض بنا ومن دوننا !
طلبت منك مرة .. أن تتعشى في أحد المطاعم ، في أعلى مطعم
موجود بأعلى ناطحة سحاب في الرياض .. رجوتك أن تفعل .. كنت
ارغب في أن ترى مدينتنا من علو ! .. أن تشعر بها ، بشوارعها
وأضوائها وكل ما فيها .. كنت على يقين من أن رؤيتها بهذا الشكل
ستؤثر بك ..
اتصلت بي وقتذاك ، قلت : جمان ، أنا في المطعم .. جميل
وهادئ .. وملهم للكتابة ..
سألتك : أترى كم هي رقيقة مدينتنا ؟
قلت لي بسخرية : والله ما أشوف إلا غبار ! .. انكتم صدري !
صحت فيك بغضب : ولد !..
قلت وأنت تضحك : والله إني صادق ! تبيني أكذب عليك
وأقولك ايه شايف وانا ما أشوف إلا غبار ؟
قلت لك بعصبية : خلاص ، مع السلامة .. انا بقفل الحين !
قلت وأنت تضحك : والله إنك مشكلة ! .. إذا كذبت تزعلين ،
وإذا قلت الصدق برضو تزعلين .. ما عرفت لك والله .
أعرف بأن رجلا مثلك لن يتمكن من أن يكمل حياته في مدينة
كمدينتنا ، أعرف بأنك لن تعيش فيها .. ولا حتى قريبا منها .. تخنقك
الرياض يا عزيز ، تخنقك الرياض ومن فيها ..
أرسلت إليّ في إحدى لياليها بإحدى قصائد نزار قباني ،
كتبت :
لماذا في مدينتنا ..
نعيش الحب تهريبا وتزويرا ؟
ونسرق من شقوق الباب موعدنا ،
ونستعطي الرسائل والمشاوير
لماذا في مدينتنا ..
يصيدون العواطف والعصافير ..
لماذا نحن قصدير ؟
وما يبقى من الإنسان ..
حين يصير قصدير ؟
لماذا نحن مزدوجون ،
إحساسا وتفكير ؟
لماذا نحن أرضيون ..
تحتيون .. نخشى الشمس والنور ؟
لماذا أهل بلدتنا ؟
يمزقهم تناقضهم ! ..
ففي ساعات يقظتهم
يسبون الضفائر والتنانير
وحين الليل يطويهم ،
يضمون التصاوير !
أسائل نفسي دائما ..
لماذا لا يكون الحب في الدنيا ؟
لكل الناس ! .. كل الناس ..
مثل أشعة الفجر ..
لماذا لا يكون الحب مثل الخبز والخمر ؟
ومثل الماء في النهر
ومثل الغيم ، والأمطار ،
والأعشاب والزهر !
أليس الحب للإنسان
عمرا داخل العمر ؟!
لم أرد على رسالتك .. وضعت راسي فوق وسادتي
وأنا أفكر في الأرض التي ( قد ) تجمعنا .. دائما ما كان هذا هاجسي يا عزيز ..
لطالما كنت أخشى أن نكمل ما تبقى لنا من حياة بعيدا عن الرياض ،
كان حلمي أن نعيش فيها .. واصبح هاجسي أن نعيش معا
في أي مكان يجمعنا !
لكنني أحبها يا عزيز .. أحبها ! .. المدينة الأقسى لا
تضاهيها في قسوتها مدينة أخرى على اتساع هذا الكون ..
المدينة خلقت في نفسي طهرا وحبا وطيبة .. ولم تخلق في أعماقك سوى
القسوة ، مدينة جعلت مني امرأة هشة ، يكسرها أي شيء ، وجعلت
منك رجلا صلبا يحطم كل شيء ! .. خلقت لديّ الطهر ليلوثني
عهرك وخلقت فيك الكره لينهار أمامه حبي ..
ألومك كثيرا على كرهك لمدينة جمعنا هواها في طفولتنا
وتلومني كثيرا على دفاعي عنها ، أنت الذي هربت منها تاركا وراءك
كل شيء يربطك بها .. وأنا التي أطل عليها بين الحين والآخر
لأتأكد من أنها لا تزال بانتظاري !..
هل ستثأر لي تلك البعيدة ؟! .. وتنصفني من رجل يدعي أنه منها ..
ولا يحمل في أعماقه شيئا من همومها الكثيرة ؟!
سألتك مرة : ألا تحمل للرياض شيئا ..؟
أجبتني وأنت تطعم السمك : نسيت كل شيء كنت أحمله لها
في مطارها الدولي ..
يومها كنا نطل على أحد أحواض الأسماك .. كنت ارمي
للأسماك بفتان من الخبز فتأكله ، أما أنت فكنت تحمل بيدك علبة
لبان .. تمضغ بعضا منه وترميه على أمل أن تأكله إحدى السمكات
فينطبق فمها على اللبان وتموت !
سألتك بغضب وأنا أضرب يدك التي ترمي اللبان إلى
الحوض : ولد ! لماذا تفعل هذا ..؟
قلت وأنت تهز كتفيك ببساطة : أبغى أشوف شكل السمكة
لما تغص !
يومها غضبت منك كثيرا يا عزيز ، غضبت من أجلهما .. من
أجل سمكة ضعيفة ومدينة عريقة لا تكترث بهما ولا يربطك بهما
شيء .
***
طلب مني زياد المساعدة متذرعا بخلل أصاب جهاز حاسوبه ..
لقد كان من الصعب علي ّ التنصل من مساعدته .. انا التي أفهم في
عالم الحواسيب أكثر مما أفهم في عالم النساء .. كان من الصعب
عليّ رفض مساعدته خاصة وأني متخصصة في برمجة الحاسوب .
قابلته في أحد المقاهي البعيدة لأنني لم أرغب بتدنيس أراضي
محبتنا بلقائي أيّ رجل غيرك وإن كان قديسا في نظري .. كزياد !
كنت أحاول استرجاع بعض ملفات النظام التي قام بحذفها ، بينما
كان صامتا يدور بسبباته على كوب القهوة بهدوء .. شتان ما بين
صمتك وصمت زياد ! .. صمتك صاخب ، عنيف ومخيف .. بينما يبدو
صمت زياد وديعا مطمئنا ، يمحنك صمت زياد مساحات شاسعة من
الحرية ، يشعرك وكأنك تجلس لوحدك ، لا يشعرك بوجوده قط ما
لم ترغب أنت بذلك ..
تنشقنا رائحة عطر نسائي مثير ! .. التفت نحو الفتاة التي مرت
كانت تفوق رائحتها إثارة .. كان زبائن المقهى يتابعونها
مشدودين .. نظرت إلى زياد الذي كان يتأمل كوب قهوته بعمق وكأنه
يقرأ ما فيه ..
قلت : زياد ! .. أرأيت ما رأيته ؟
سألني : وماذا رايت ؟
أشرت برأسي إلى حيث تجلس : تلك الفتاة !
نظر إليها نظرة خاطفة والتفت قائلا :what about her ?
حقيرة !
سألني بدهشة : لماذا ..؟
أجبته بضيق : إنها حلوه !
وأنا أفكر في الأرض التي ( قد ) تجمعنا .. دائما ما كان هذا هاجسي يا عزيز ..
لطالما كنت أخشى أن نكمل ما تبقى لنا من حياة بعيدا عن الرياض ،
كان حلمي أن نعيش فيها .. واصبح هاجسي أن نعيش معا
في أي مكان يجمعنا !
لكنني أحبها يا عزيز .. أحبها ! .. المدينة الأقسى لا
تضاهيها في قسوتها مدينة أخرى على اتساع هذا الكون ..
المدينة خلقت في نفسي طهرا وحبا وطيبة .. ولم تخلق في أعماقك سوى
القسوة ، مدينة جعلت مني امرأة هشة ، يكسرها أي شيء ، وجعلت
منك رجلا صلبا يحطم كل شيء ! .. خلقت لديّ الطهر ليلوثني
عهرك وخلقت فيك الكره لينهار أمامه حبي ..
ألومك كثيرا على كرهك لمدينة جمعنا هواها في طفولتنا
وتلومني كثيرا على دفاعي عنها ، أنت الذي هربت منها تاركا وراءك
كل شيء يربطك بها .. وأنا التي أطل عليها بين الحين والآخر
لأتأكد من أنها لا تزال بانتظاري !..
هل ستثأر لي تلك البعيدة ؟! .. وتنصفني من رجل يدعي أنه منها ..
ولا يحمل في أعماقه شيئا من همومها الكثيرة ؟!
سألتك مرة : ألا تحمل للرياض شيئا ..؟
أجبتني وأنت تطعم السمك : نسيت كل شيء كنت أحمله لها
في مطارها الدولي ..
يومها كنا نطل على أحد أحواض الأسماك .. كنت ارمي
للأسماك بفتان من الخبز فتأكله ، أما أنت فكنت تحمل بيدك علبة
لبان .. تمضغ بعضا منه وترميه على أمل أن تأكله إحدى السمكات
فينطبق فمها على اللبان وتموت !
سألتك بغضب وأنا أضرب يدك التي ترمي اللبان إلى
الحوض : ولد ! لماذا تفعل هذا ..؟
قلت وأنت تهز كتفيك ببساطة : أبغى أشوف شكل السمكة
لما تغص !
يومها غضبت منك كثيرا يا عزيز ، غضبت من أجلهما .. من
أجل سمكة ضعيفة ومدينة عريقة لا تكترث بهما ولا يربطك بهما
شيء .
***
طلب مني زياد المساعدة متذرعا بخلل أصاب جهاز حاسوبه ..
لقد كان من الصعب علي ّ التنصل من مساعدته .. انا التي أفهم في
عالم الحواسيب أكثر مما أفهم في عالم النساء .. كان من الصعب
عليّ رفض مساعدته خاصة وأني متخصصة في برمجة الحاسوب .
قابلته في أحد المقاهي البعيدة لأنني لم أرغب بتدنيس أراضي
محبتنا بلقائي أيّ رجل غيرك وإن كان قديسا في نظري .. كزياد !
كنت أحاول استرجاع بعض ملفات النظام التي قام بحذفها ، بينما
كان صامتا يدور بسبباته على كوب القهوة بهدوء .. شتان ما بين
صمتك وصمت زياد ! .. صمتك صاخب ، عنيف ومخيف .. بينما يبدو
صمت زياد وديعا مطمئنا ، يمحنك صمت زياد مساحات شاسعة من
الحرية ، يشعرك وكأنك تجلس لوحدك ، لا يشعرك بوجوده قط ما
لم ترغب أنت بذلك ..
تنشقنا رائحة عطر نسائي مثير ! .. التفت نحو الفتاة التي مرت
كانت تفوق رائحتها إثارة .. كان زبائن المقهى يتابعونها
مشدودين .. نظرت إلى زياد الذي كان يتأمل كوب قهوته بعمق وكأنه
يقرأ ما فيه ..
قلت : زياد ! .. أرأيت ما رأيته ؟
سألني : وماذا رايت ؟
أشرت برأسي إلى حيث تجلس : تلك الفتاة !
نظر إليها نظرة خاطفة والتفت قائلا :what about her ?
حقيرة !
سألني بدهشة : لماذا ..؟
أجبته بضيق : إنها حلوه !
ضحك زياد بقوة .. كان صوت ضحكته غريبا .. صوت ضحكة
خجولة انفجرت بصوت عال لم يعتد إطلاقه ولم أعتد سماعه منه !
قال ضاحكا : يا الله ! أيش كثر أنت تجننين !
حاولت أن أغير مجرى الحديث ، فقلت وأنا أضحك :
أتدري ! .. لو كانت معنا هيفاء لسألت ما الذي تاكله الفتاة
لتصبح جميلة إلى هذه الدرجة ..
ابتسم : أخبريني أنت .. ما الذي تأكلينه عادة ؟
قلت وأنا اضغط على لوحة مفاتيح جهازه : أنا وهيفاء ..
نأكل الأخضر واليابس ..
عاد زياد إلى صمته مبتسما .. رقيق هو صمته .. يفتح زياد
لشريكه في الحديث أبواب الثرثرة على مصراعيها لينصت طويلا ..
ولا شيء أكثر ، يجيد الصمت والإنصات كما لا يجيده أحد !
أخذت أتأمل زياد .. كان من الواضح بأنه يفتش في فنجان
قهوته عن مدخل ، عن خيط ، عن فكرة .. كانت طواحين الأفكار
تدور في رأسه ..!..
قلت : زياد ..!.. أتود أن تخبرني عن شيء ..؟
ابتسم ابتسامة خفيفة how do you know ?
عرفت لأنني عبقرية ! .. حدثني الآن عما يدور برأسك ..
مسك أحد الأقراص المدمجة بيده وقال بصوت خافت وهو
يراقب انعكاس صورته على القرص ومن دون أن ينظر إليّ
The divorced!
قلت وقلبي ينبض بقوة : who?
عبد العزيز وزوجته !
قلت له وأنا احاول لملمة نفسي : وما شأني بهذا ؟
اعتدل زياد في جلسته : أنا قلق ! .. أعرف بأنه سيحاول
استرجاعك ..
زياد أنت تدرك بأنني لست من أملاك القيرلاني المفقودة ..
ليسترجعني !
صمت قليلا وقال : تشاجرنا اليوم !
ازدادت نبضات قلبي خفقانا : أأخبرت عبدالعزيز بأننا نتحدث معا !
قال بخيبة أمل : أنت خائفة من أن يعرف بأننا على اتصال ..
لا أريد أن افسد علاقتكما يا زياد !
لا تخافي .. ثقي بي !
قلت له محاولة تطرية الأجواء : تعرف زياد ! .. هيفاء دايم تقول
إذا تبين تخربين صداقة شابين .. دخلي " بنية " بينهم !..
قالت مبتسما : أتعرفين ! هيفاء أكثر حكمة مما تبدو عليه !
مرت الفتاة المثيرة تلك بالقرب منا في طريقها إلى الخارج ،
فالتفت زياد هذه المرة ..
نظر إليّ بخجل قائلا بارتباك she is cute!.. she is not bad..
وضحكت كثيرا من زياد الذي يصف امرأة صارخة الجمال بـ
Cute! ومن رجل يصف كل امرأة نقابلها بـ hot!
ضحكت من هذا الفرق الكبير بينكما ..!؟؟
***
كعادتنا في كل ليلة سبت .. أجيء إلى بيتك لنشاهد فيلما أو
برنامجا معا ..
في كل ليلة نتابع فيها برنامجا أو مسلسلا .. تضطجع أنت على
الأريكة خلفي .. بينما أجلس أنا على الأرض أمامك مستندة إلى
الأريكة .. واضعة خلف ظهري .. وسادتك الحمراء تلك ..
دائما ما كنت تتابع من فوق .. ودائما ما كنت أتابع من الأسفل
تعبث بخصلات شعري بينما ألعب أنا برباط شعري دوما
قبل أن تطوله يداك وتسدله لتعبث به !.. هكذا هي طقوسنا في كل
مرة ، دائما ما كنت متفردا بالاستيلاء على جهاز التحكم عن بعد
لأنك ( الكبير ) على حد قولك ! .. وفارق العمر هذا يمنحك الكثير
من المميزات والصلاحيات !.. تأخذ الجهاز معك في كل مرة تذهب
فيها إلى الحمام أو حينما تنهض لتحضير شيء نأكله .. تخشى أن
أستولي على الجهاز وأن لا أعيده إليك .. لذلك تحمله معك أينما ذهبت ..
تضع يديك على عيني حينما يمر مشهد حميم سريع .. وتسرع
اللقطة عن طريق جهاز التحكم إن كان طويلا .. وكأني طفلة تخشى
أن تدنسها رؤية حدث حميم !
ابتعنا تلك الليلة . سلسلة حلقات مسلسل ghost whisper
تدور قصة المسلسل عن شابة قادرة على رؤية الأرواح العالقة
في الحياة الدنيا والتي لم تتمكن من العبور إلى الحياة الآخرة !
كانت مهمة الفتاة تقتضي مساعدتهم على العبور وذلك من خلال
تخلصيهم مما هم عالقون بسببه . دائما ما كانت الأسباب مرتبطة
بأشخاص آخرين .. زوجة غاضبة .. حبيب حزين .. والد حائر ..
أو قاتل يرجى الانتقام منه !..
كانت قصة إحدى الحلقات تدور عن محب عالق لأكثر من عامين ..
كان عالقا بسبب حبيبته الحزينة .. توفي منتحرا إثر خلاف حصل
بينهما .. وقد كانت حبيبة مكلومة ويائسة .. إلى درجة رهيبة !
كانت الأحداث مؤثرة للغاية ..
اعتدلت في جلستك بعدما انتهى عرضه وقلت : جمان ..!..
أتظنين بأن هذا يحدث ؟
ما الأمر الذي يحدث ؟
هذا .. كل هذا ! .. أرواح عالقة .. تعيش حولنا .. تحاول أن
توصل إلينا رسائل ولا تتمكن من إيصال شيء لأنه لا وسيط بيننا !
لا أعرف .. إنه عالم مبهم يا عزيز .. لا تفسير واضح له ..
اختلف العلماء في الروح كثيرا ..
ألم تفكري يوما في ماهية أرواحنا ؟
قرأت الروح لابن القيم الجوزية .. لكنني لم أقدر على تخيل
الروح أو تصويرها في مخيلتي .. أشعر بأنها من أثير ولا شيء غير
هذا !..
خجولة انفجرت بصوت عال لم يعتد إطلاقه ولم أعتد سماعه منه !
قال ضاحكا : يا الله ! أيش كثر أنت تجننين !
حاولت أن أغير مجرى الحديث ، فقلت وأنا أضحك :
أتدري ! .. لو كانت معنا هيفاء لسألت ما الذي تاكله الفتاة
لتصبح جميلة إلى هذه الدرجة ..
ابتسم : أخبريني أنت .. ما الذي تأكلينه عادة ؟
قلت وأنا اضغط على لوحة مفاتيح جهازه : أنا وهيفاء ..
نأكل الأخضر واليابس ..
عاد زياد إلى صمته مبتسما .. رقيق هو صمته .. يفتح زياد
لشريكه في الحديث أبواب الثرثرة على مصراعيها لينصت طويلا ..
ولا شيء أكثر ، يجيد الصمت والإنصات كما لا يجيده أحد !
أخذت أتأمل زياد .. كان من الواضح بأنه يفتش في فنجان
قهوته عن مدخل ، عن خيط ، عن فكرة .. كانت طواحين الأفكار
تدور في رأسه ..!..
قلت : زياد ..!.. أتود أن تخبرني عن شيء ..؟
ابتسم ابتسامة خفيفة how do you know ?
عرفت لأنني عبقرية ! .. حدثني الآن عما يدور برأسك ..
مسك أحد الأقراص المدمجة بيده وقال بصوت خافت وهو
يراقب انعكاس صورته على القرص ومن دون أن ينظر إليّ
The divorced!
قلت وقلبي ينبض بقوة : who?
عبد العزيز وزوجته !
قلت له وأنا احاول لملمة نفسي : وما شأني بهذا ؟
اعتدل زياد في جلسته : أنا قلق ! .. أعرف بأنه سيحاول
استرجاعك ..
زياد أنت تدرك بأنني لست من أملاك القيرلاني المفقودة ..
ليسترجعني !
صمت قليلا وقال : تشاجرنا اليوم !
ازدادت نبضات قلبي خفقانا : أأخبرت عبدالعزيز بأننا نتحدث معا !
قال بخيبة أمل : أنت خائفة من أن يعرف بأننا على اتصال ..
لا أريد أن افسد علاقتكما يا زياد !
لا تخافي .. ثقي بي !
قلت له محاولة تطرية الأجواء : تعرف زياد ! .. هيفاء دايم تقول
إذا تبين تخربين صداقة شابين .. دخلي " بنية " بينهم !..
قالت مبتسما : أتعرفين ! هيفاء أكثر حكمة مما تبدو عليه !
مرت الفتاة المثيرة تلك بالقرب منا في طريقها إلى الخارج ،
فالتفت زياد هذه المرة ..
نظر إليّ بخجل قائلا بارتباك she is cute!.. she is not bad..
وضحكت كثيرا من زياد الذي يصف امرأة صارخة الجمال بـ
Cute! ومن رجل يصف كل امرأة نقابلها بـ hot!
ضحكت من هذا الفرق الكبير بينكما ..!؟؟
***
كعادتنا في كل ليلة سبت .. أجيء إلى بيتك لنشاهد فيلما أو
برنامجا معا ..
في كل ليلة نتابع فيها برنامجا أو مسلسلا .. تضطجع أنت على
الأريكة خلفي .. بينما أجلس أنا على الأرض أمامك مستندة إلى
الأريكة .. واضعة خلف ظهري .. وسادتك الحمراء تلك ..
دائما ما كنت تتابع من فوق .. ودائما ما كنت أتابع من الأسفل
تعبث بخصلات شعري بينما ألعب أنا برباط شعري دوما
قبل أن تطوله يداك وتسدله لتعبث به !.. هكذا هي طقوسنا في كل
مرة ، دائما ما كنت متفردا بالاستيلاء على جهاز التحكم عن بعد
لأنك ( الكبير ) على حد قولك ! .. وفارق العمر هذا يمنحك الكثير
من المميزات والصلاحيات !.. تأخذ الجهاز معك في كل مرة تذهب
فيها إلى الحمام أو حينما تنهض لتحضير شيء نأكله .. تخشى أن
أستولي على الجهاز وأن لا أعيده إليك .. لذلك تحمله معك أينما ذهبت ..
تضع يديك على عيني حينما يمر مشهد حميم سريع .. وتسرع
اللقطة عن طريق جهاز التحكم إن كان طويلا .. وكأني طفلة تخشى
أن تدنسها رؤية حدث حميم !
ابتعنا تلك الليلة . سلسلة حلقات مسلسل ghost whisper
تدور قصة المسلسل عن شابة قادرة على رؤية الأرواح العالقة
في الحياة الدنيا والتي لم تتمكن من العبور إلى الحياة الآخرة !
كانت مهمة الفتاة تقتضي مساعدتهم على العبور وذلك من خلال
تخلصيهم مما هم عالقون بسببه . دائما ما كانت الأسباب مرتبطة
بأشخاص آخرين .. زوجة غاضبة .. حبيب حزين .. والد حائر ..
أو قاتل يرجى الانتقام منه !..
كانت قصة إحدى الحلقات تدور عن محب عالق لأكثر من عامين ..
كان عالقا بسبب حبيبته الحزينة .. توفي منتحرا إثر خلاف حصل
بينهما .. وقد كانت حبيبة مكلومة ويائسة .. إلى درجة رهيبة !
كانت الأحداث مؤثرة للغاية ..
اعتدلت في جلستك بعدما انتهى عرضه وقلت : جمان ..!..
أتظنين بأن هذا يحدث ؟
ما الأمر الذي يحدث ؟
هذا .. كل هذا ! .. أرواح عالقة .. تعيش حولنا .. تحاول أن
توصل إلينا رسائل ولا تتمكن من إيصال شيء لأنه لا وسيط بيننا !
لا أعرف .. إنه عالم مبهم يا عزيز .. لا تفسير واضح له ..
اختلف العلماء في الروح كثيرا ..
ألم تفكري يوما في ماهية أرواحنا ؟
قرأت الروح لابن القيم الجوزية .. لكنني لم أقدر على تخيل
الروح أو تصويرها في مخيلتي .. أشعر بأنها من أثير ولا شيء غير
هذا !..
سألتني : جمان .. لو مت !.. تخيلي أنني مت .. أتظنين بأنني
سأتواجد حولك ..؟
أشحت بوجهي بانزعاج : تعرف بأنني لا أحب سيرة الموت ..
بعد صمت قلت : إلهي يا جمانة ! .. كم من الصعب على
المرء مراقبة المرأة التي تحب من دون أن تشعر بوجوده .. من دون
أن يكون مرئيا ، ملموسا .. محسوسا .. لا أتصورك تقرئين على
السرير وأنا نائم بجوارك من دون أن تريني أو أن تشعري بي ! .. لا
أتخيل كيف من الممكن أن أراقبك وأنت ترفعين سماعة الهاتف ..
لتتحدثي مع رجل آخر وانا أنصت .. إلهي يا جمانة .. كم سيدمي
هذا قلبي !
اعتدت على ألا أفكر بشيء سيء قد يحصل ..
استرسلت وكأنك لم تسمعني : أتدرين ما الأكثر وجعا يا جمانة ؟!
أن أشهد على حزنك عليّ ، أن أراك كل ليلة وانت تنتحبين وحيدة
في فراشك ، أن أراقبك وأنت تقرئين رسائلي ، تتأملين صوري
القديمة .. أن تديري التسجيل لتستمعي إلى الشريط الذي
سجلت به بعض الأغاني بصوتي ! .. لا قدرة على تصور الألم
الذي سأشعر به وأنت تفعلين !
وضعت يديك على جانبي رأسك وبكيت فجأة ! .. كنت جالسة
على الأرض .. بعيدا عن الأريكة .. أذكر أنني حبوت على ركبتي
حتى وصلت إليك ، مسحت على شعرك بيدي بانفعال وقلت :
حبيبي ! ، لماذا تفكر بالموت الآن ..؟!.. أنظر إلينا ، نحن معا ..
قلت من بين دموعك : أعرف بأنني عذبتك في حياتي .. ا
أحتمل فكرة أن يعذبك غيابي وموتي أيضا يا جمانة ..
قلت لك وقد دمعت عيناي : اعتني بي إذا ..!.. حتى لا تعذبني
بكلتا الحالتين ..
أتعرفين بأن حبك ( يوجع القلب ) ..؟ أنت وجع قلبي ! ..
قلت لك مداعبة : خلاص حبيبي .. من الآن فصاعدا لن نتفرج
إلا على افلام الرسوم المتحركة ..
ضحكت بقوة ، ودموعك لا تزال على خديك فمسحتهما
بيدي .. قلت مبتسما : لو تعرفين كم من المريح أن ابكي أمامك !
هذه العقدة الشرقية الوحيدة التي عتقك الرب منها !
أبشرك .. هي عقدة من عقدي ! .. ما زلت أرى في بكاء الرجل
بشكل علني ضعفا لا يقبل .. ما بالك إن بكى أمام امرأة ؟
ولماذا تبكي أمامي إن كنت ترى في بكائك ضعفا ؟!
لأنك حبيبتي ، لست بأي امراة . .أتدرين يا جمان .. قد يخجل
الرجل من التعربي أمام زوجته لكنه لا يخجل من التعري أمام
المرأة التي يحب .. وما البكاء سوى تعر ، أشعر الآن بأنني عار
أمامك ولا يخجلني هذا العري على الإطلاق ..
قلت لك مبتسمة : أحب عريك المحشتم هذا !..
وأحب أن تحبي عريي .. يحب الرجل أن تحب امرأته تعريه
الكامل أمامها .. أن يتعرى أمامها من كل شيء .. وليس من قطع
الملابس فقط ..
كنت أستمع إليك وأنا أمسح على شعرك لتهدأ .. حينما لمعت
عيناك فجأة وقلت بشقاوة ! : هل من الممكن أن أخبرك شيئا ؟!
قلت لك وأنا أضحك : كلا ..
ضحكت : يا شريرة ! .. كيف عرفت ؟
لأنك عادة لا تستأذنني في قول لائق !
تنهدت براحة : ألم أخبرك بأنني عار أمامك ؟
كان ( عريك ) ليلتها أطهرعري يا عزيز .. لو تدري كم أحببت
عريك وتعريك أمامي .. أشعر أحيانا بأن ما يسترك هو ما يعيبك وما
يجعلك حالكا .. تغطي نفسك بمظهر عابث ، غير مبال .. كذبة هنا
تغطي عورتك وخدعة هناك تستر ما بقي من جسدك المكشوف ..
أحب عريك لأنه لا يخفي شيئا ولا يغلفك من بعده شيء !.. كم
أحب أن تظهر أمامي كالحقيقة !..
قال عبده خال في الطين .. الرواية التي كتبها في ثلاث سنوات
وسبعة أشهر .. (( الحقيقة عورة نسعى جميعا إلى سترها )) .. وقد كانت
حقيقتك العورة التي لطالما حاولت سترها .. ولم تتمكن من أن تسترها أكثر !
أحببت عريك يا عزيز .. أحببت عريك ! ..
سأتواجد حولك ..؟
أشحت بوجهي بانزعاج : تعرف بأنني لا أحب سيرة الموت ..
بعد صمت قلت : إلهي يا جمانة ! .. كم من الصعب على
المرء مراقبة المرأة التي تحب من دون أن تشعر بوجوده .. من دون
أن يكون مرئيا ، ملموسا .. محسوسا .. لا أتصورك تقرئين على
السرير وأنا نائم بجوارك من دون أن تريني أو أن تشعري بي ! .. لا
أتخيل كيف من الممكن أن أراقبك وأنت ترفعين سماعة الهاتف ..
لتتحدثي مع رجل آخر وانا أنصت .. إلهي يا جمانة .. كم سيدمي
هذا قلبي !
اعتدت على ألا أفكر بشيء سيء قد يحصل ..
استرسلت وكأنك لم تسمعني : أتدرين ما الأكثر وجعا يا جمانة ؟!
أن أشهد على حزنك عليّ ، أن أراك كل ليلة وانت تنتحبين وحيدة
في فراشك ، أن أراقبك وأنت تقرئين رسائلي ، تتأملين صوري
القديمة .. أن تديري التسجيل لتستمعي إلى الشريط الذي
سجلت به بعض الأغاني بصوتي ! .. لا قدرة على تصور الألم
الذي سأشعر به وأنت تفعلين !
وضعت يديك على جانبي رأسك وبكيت فجأة ! .. كنت جالسة
على الأرض .. بعيدا عن الأريكة .. أذكر أنني حبوت على ركبتي
حتى وصلت إليك ، مسحت على شعرك بيدي بانفعال وقلت :
حبيبي ! ، لماذا تفكر بالموت الآن ..؟!.. أنظر إلينا ، نحن معا ..
قلت من بين دموعك : أعرف بأنني عذبتك في حياتي .. ا
أحتمل فكرة أن يعذبك غيابي وموتي أيضا يا جمانة ..
قلت لك وقد دمعت عيناي : اعتني بي إذا ..!.. حتى لا تعذبني
بكلتا الحالتين ..
أتعرفين بأن حبك ( يوجع القلب ) ..؟ أنت وجع قلبي ! ..
قلت لك مداعبة : خلاص حبيبي .. من الآن فصاعدا لن نتفرج
إلا على افلام الرسوم المتحركة ..
ضحكت بقوة ، ودموعك لا تزال على خديك فمسحتهما
بيدي .. قلت مبتسما : لو تعرفين كم من المريح أن ابكي أمامك !
هذه العقدة الشرقية الوحيدة التي عتقك الرب منها !
أبشرك .. هي عقدة من عقدي ! .. ما زلت أرى في بكاء الرجل
بشكل علني ضعفا لا يقبل .. ما بالك إن بكى أمام امرأة ؟
ولماذا تبكي أمامي إن كنت ترى في بكائك ضعفا ؟!
لأنك حبيبتي ، لست بأي امراة . .أتدرين يا جمان .. قد يخجل
الرجل من التعربي أمام زوجته لكنه لا يخجل من التعري أمام
المرأة التي يحب .. وما البكاء سوى تعر ، أشعر الآن بأنني عار
أمامك ولا يخجلني هذا العري على الإطلاق ..
قلت لك مبتسمة : أحب عريك المحشتم هذا !..
وأحب أن تحبي عريي .. يحب الرجل أن تحب امرأته تعريه
الكامل أمامها .. أن يتعرى أمامها من كل شيء .. وليس من قطع
الملابس فقط ..
كنت أستمع إليك وأنا أمسح على شعرك لتهدأ .. حينما لمعت
عيناك فجأة وقلت بشقاوة ! : هل من الممكن أن أخبرك شيئا ؟!
قلت لك وأنا أضحك : كلا ..
ضحكت : يا شريرة ! .. كيف عرفت ؟
لأنك عادة لا تستأذنني في قول لائق !
تنهدت براحة : ألم أخبرك بأنني عار أمامك ؟
كان ( عريك ) ليلتها أطهرعري يا عزيز .. لو تدري كم أحببت
عريك وتعريك أمامي .. أشعر أحيانا بأن ما يسترك هو ما يعيبك وما
يجعلك حالكا .. تغطي نفسك بمظهر عابث ، غير مبال .. كذبة هنا
تغطي عورتك وخدعة هناك تستر ما بقي من جسدك المكشوف ..
أحب عريك لأنه لا يخفي شيئا ولا يغلفك من بعده شيء !.. كم
أحب أن تظهر أمامي كالحقيقة !..
قال عبده خال في الطين .. الرواية التي كتبها في ثلاث سنوات
وسبعة أشهر .. (( الحقيقة عورة نسعى جميعا إلى سترها )) .. وقد كانت
حقيقتك العورة التي لطالما حاولت سترها .. ولم تتمكن من أن تسترها أكثر !
أحببت عريك يا عزيز .. أحببت عريك ! ..
الفصل 10
كنت وهيفاء نذاكر معا في صالة الشقة .. كنت متعبة فغفوت من
شدة التعب ، شهقت بفزع حينما هزتني هيفاء بقوة .. جمانة !
جمانة .. قومي شوفي مين الي على الباب !
شعرت وكأنها صبت عليّ ماءا باردا .. فانكمشت أطرافي من
الخوف ولم أتمكن من أن أنطق بكلمة من شدة الفزع .. كان
الجرس يقرع بإلحاح .. وجرس شقتنا لا يقرع من دون أن نكون
بانتظار أحد ..
صاحت في وجهي : جمانة ! .. استيقظي ! .. عزوز على الباب ! ..
قلت لها وأنا أنتقض .. وقد اختلطت عليّ اليقظة بالمنام :
من ..؟!.. عزوز من ..؟
وفي غيره ؟ .. عزوز ما غيره !
كنت أبحلق في وجهها وأنا لا أدري أن كنت مستيقظة أم أنني
في كابوس .. ترعبني طريقة هيفاء في الإيقاظ تصرخ بقوة لتوقظني ..
تهزني بشدة ، ترميني بأقرب شيء تصل إليه يدها .. ما يهم هيفاء هو
أن أستيقظ ، لا تهمها الطريقة ولا تهمها نتيجة استيقاظي بهذا
الشكل !
أخذت تضرب بيدها على خدي : جمانة .. شنو ما تسمعين ..؟!..
أقولك عزوز على الباب !
كان صوت جرس الباب عاليا .. بالإضافة إلى صوت هاتفي
المحمول ، صوت نغمتك التي لم أسمعها منذ أكثر من شهرين ..
قلت لها وأنا أبعدها عني محاولة العودة إلى النوم : وايش أسوي له
يعني ..؟..
سحبتني من يدي بقوة : شنو شتسوين له ! .. أقولك هالخبل
واقف على باب شقتنا ، قومي شوفي شيبي .. ردي على تليفونك لا
يسوي لنا مصيبة ..
سحبت هاتفي وأجبتك وأنا لم أفهم شيئا سوى أن الباب
يقرع ! .. كان قلبي ينبض بقوة ، فجعتني هيفاء في إيقاظي فلم
أتمكن من أن أستجمع أفكاري !
قلت : أنا على الباب منذ حوالي الخمس دقائق ! .. فلتفتحي لي
الباب ..
قلت وأنا أفرك عيني لأستيقظ : ما الذي تريده ؟
إفتحي جمان ..
أغلقت الهاتف في وجهك وقمت لأفتح الباب ، شدتني هيفاء
من يدي : أمجنونة أنت ؟ .. استفتحي له الباب ؟؟
سحبتها وقلت ونصفي " نوم " : لا تخافي ..
فتحت الباب لأجدك أمامي مختلفا ، كنت تبدو كرجل
مريض ! .. كنت ذابلا .. تقف أمامي بإرهاق ، تنظر إليّ بعينين
منطفئتين .. أنا التي لم أشهد إلا على اشتعال عينيك ولم أحط برؤية
خمودهما حتى في حالات حزنك ومرضك ..
سألتك بدهشة وقد هزتني رؤيتك فأيقظت كل خلية لديّ :
عزيز ..! .. ما الذي تفعله هنا ..؟
قلت برجاء : جمانة .. أرجوك تعالي معي ، أحتاج لأن أتحدث
إليك ..
إلى أين ..؟
إلى أي مكان نجلس فيه وحدنا ..
ليس هناك ما نتحدث به ..
جئتك بقدمي يا جمانة ! .. ألا يستحق مجيئ أن تستمعي إليّ
لدقائق ؟
قلت لك بد تفكير : انتظرني حيث الكرسي على الرصيف
المقابل .. الكرسي المقابل للعمارة ..
كنت كمن جاء من الموت .. خشيت أن تعود فهرعت إلى
غرفتي لأغير ملابسي ..!.. خشيت أن أنزل فلا أجدك ، أن تتركني
من جديد وأن تهرب كالعادة !
كانت هيفاء تؤنبني خلف الباب .. كانت خائفة عليّ منك ..
تخافك هيفاء كثيرا وإن كانت لا تعترف بهذا .. حاولت طمأنتها
لكنني لم أنل منها سوى الشتائم .. فبادلت شتائمها بأخرى !
عندما نزلت إلى الشارع وجدتك واقفا على الرصيف .. كنت
تدخن بجوار الكرسي .. أطفأت سيجارتك ما أن اقتربت منك ،
جلست على طرف المقعد .. لكنك ظللت واقفا ، تعبث بحجر على
الرصيف من دون أن تنطق بشيء ..
سألتك : أستستمر على صمتك ..؟
وضعت يديك في جيبي معطفك ، وجلست على مقربة مني لكن
دون أن تتكلم ..
أجئتني لتسمعني صمتك ..؟
هززت برأسك نافيا ومن دون أن تلتفت إليّ : لا ..! .. جئتك
لأنني اشتقت لرائحتك ..
لا أظنك اشتقت لرائحتي .. ألم تقل لي يوما بأن روائح النساء
تتشابه ؟!.. لا أظنك تفتقد النساء !
لكنك لست بامرأة يا جمان .. أنت ملائكية ! .. اشتقت لرائحة
السماء في مساماتك ...
أطرقت بصمت ، أخذت خفقات قلبي تخف تدريجيا .. بدأت
أشعر بأعصابي تتمدد وتطول .. وترتاح .. شعرت بأنني لم أبتعد عنك
قط .. على الرغم من شوقي إليك وعتبي عليك .. وغضبي منك ..
تطلقنا !
التفت إليك : ماذا ؟
تطلقنا !.. طلقتها !.. لن أقول لك بأنه قد انتهى كل شيء ..
لأنه لم يكن هناك من شيء لينتهي ..
جئت لتخبرني بأنك تركتها إذا ..
بل جئت لأن دروبنا تلتقي دوما مهما افترقنا ..
ماذا لو قلت بأن في حياتي شخصا جديدا ..؟
انحنيت إلى الأمام .. اتكأت بمرفقيك على ركبتيك ولم ترد ..
أخذت تتأمل المارة بصمت وبخار بارد يتصاعد من فتحتي أنفك ..
شعرت به كدخان ..دخان الحرائق المشتعلة في نفسك !
سألتك : ما الذي تتأمله ..؟
الحياة !..
قلت لك بسخرية : إن التأمل في الحياة ، يزيد أوجاع الحياة ..
ابتسمت من دون أن تلتفت إليّ : ايليا أبو ماضي !
قلت بتهكم : تحب اللبنانيين يا عزيز ..
هززت كتفيك وقلت : ومن ذا الذي لا يحبهم ..؟
أشحت بوجهي عنك وأخذت أتأمل الحياة التي تتأملها .. كانت
الشوارع والمنازل والناس في حلة جديدة .. كان للهواء عبق طيب
يملأه الحنين على الرغم من برودة الجو وقسوة الشتاء ..
جمانة .. ألست من قال لي مرة .. بأن قلب الله يسعنا حينما
نحب ..؟ لا .. جبران الذي قال ..!
قال مبتسما : أرأيت ..!.. أنت ايضا تحبينهم ..
ابتسمت على الرغم مني .. فاسترسلت : قلت when we love
We shoudn’t say God in our heart “ but rather “ we are in the heart of GOD’
ناقل الكفر ليس بكافر ! ..
تجاهلتني قائلا .. وسعتني محبة الله حينما أحببتني .. لا تحرميني
من أن يحبن الله مجددا يا جمانة ..
نهرتك بخوف : عبدالعزيز ! لا تحملني ذنبا بحديثك هذا .
جمانة .. قربيني لله .. أصلحيني .. اجعلي مني رجلا صالحا ..
أنت وحدك من باستطاعته اصلاحي ..
لم يعد يغريني إصلاحك ..
مررت بيديك على شعرك بحيرة .. قلت وأنت تنظر إلى
الأرض : جمانة .. أحتاج لأن أسألك سؤالين ..
تفضل ! ..
أتظنين بأنك قادرة على أن تسامحيني ..؟
وما هو سؤالك الثاني ..؟
أشرت بسبابتك إلى شقتنا في العمارة المقابلة : هيفاء متعلقة
بالنافذة منذ حوالي النصف ساعة .. لما تفعل هذا ..؟
التفت حيث شقتنا فوجدت هيفاء معلقة بالنافذة كحمامة سجينة
تحاول أن تتنفس هواء الحرية .. انفجرت ضحكا .. ضحكت من
صعوبة سؤالك الأول وسخافة الثاني !.. وعلى منظر هيفاء التي
كانت تحاول استراق النظر ..
قلت بابتسامة : اتعرفين بأن ضحكتك ترن في قلبي ؟!
مسحت دموعي المنهمرة من شدة الضحك بيدي وأنا أنظر إلى
هيفاء التي أعرف بأنها تكاد أن تموت من شدة فضولها لأنها تريد
معرفة سبب ضحكنا المفاجئ !.. كنت تتأملني مبتسما لكنني لم
أتمكن من أن أطيل النظر إليك .. كان هناك ما يقطع اتصالنا
البصري ، شيء من حزن وغضب وعتب .. وخيبة !.. شعرت بيدك
تمسح على شعري فالتفت إليك ..
سالتني برقة : شعرك رطب !.. ألا تشعرين بالبرد ..؟
بلى ..
خذي معطفي ..
لا داعي لهذا .. شكرا ..
ارجو أن تأخذيه ..!.. أحتاج لأن أسترده منك قريبا ..
لا داعي لهذا ، سأدخل إلى البيت الآن !..
والحق بأنني خشيت أن تراني هيفاء وقد أخذت منك معطفك ،
خشيت أن تقيم الدنيا وتقعدها فوق رأسي .. ولم أكن على استعداد
لأن تعكر مزاجي ..
جمانة ..!.. ما رأيك في أن نصبح صديقين ..؟
قد تتحول الصداقة إلى حب يا عزيز .. لكن الحب لا يتحول
إلى صداقة إلا اذا تدخلت المعجزات ..
سنكون صديقين إلى حين يا جمان .. حتى أسترد حبك لي ..
لا أعرف ..!.. ربما ..
ابتسمت برقة .. وقد لمع في عينيك بصيص من نور ..
تركتك خلفي .. وصعدت إلى شقتنا .. فوجدت هيفاء بانتظاري
على السلم ، كانت واقفة .. واضعة يديها على خصرها .. كطفلة
معاقبة معاندة ..
جمون ! .
هيفاء ! .. أرجوك .. لا داعي لان تقولي شيئا ..
حسنا جمانة ! .. لن أقول شيئا .. ستتذكرين يوما بأنني قد حذرتك
من هذا الرجل وبأنك لم تستمعي إليّ ..
تركت هيفاء خلفي كي لا نتشاجر ، ذهبت لأرد على هاتفي ..
كان زياد المتصل ..
قال : جمانة .. أين كنت ..؟
ولماذا تسأل ؟
Because I miss you ..!
قلت بضيق : زياد أرجوك .. لا تنس بأنني كنت على علاقة
بصديقك .. ارجو ألا تنسى هذا وكذلك الا تتجاهله !..
زياد أرجوك ، لا أرغب بتوريطك !
لقد تورطت بالفعل .. فلا تتحدثي عن توريطي الآن ..
لا أريدك أن تتورط أكثر . لن أسامح نفسي لو خسرت عبدالعزيز
بسببي يا زياد ..
لا تخافي جمانة .. أنا من سيتحدث معه .. لا شأن لك بالأمر ،
أنا من يرغب بك !
لا يا زياد ن لن أسمح لك بأن تجازف ، كلانا نعرف عبد
العزيز !..
أنا لم أخطئ بحقه يا جمانة حتى أخاف .. سأتحمل نتيجة
الموضوع وحدي فلا تخافي ..
قلت له بحزم : لكنني لا ارغب بالاستمرار في هذا العلاقة يا
زياد !.
قال بخيبة :as you like Jumanah
آمل ألا تستاء .. أرجوك ..
I’is is ok.. its ok Jumanh,
أرجو أن تفهم يا زياد بأنني أحاول تجنيبك الألم ..
كنت على يقين من إنك ستعودين إليه !
زياد .. لا شأن لعزيز بما أقوله لك .. أخشى أن تتورط معي
بعلاقة لا ينقصك التورط فيها ..
قال بمرارة : إنها لقسمة ضيزى ( ظالمة ) .
زياد ! ..
صدقيني إنها لقسمة ضيزى ( ظالمة ) .. كلاكما ظالمان ..
أنت صديقي الوحيد يا زياد ، تدرك كم أحبك .. أرجو ألا
تغضب مني ..
جمانة .. انت على شفا جرف عميق ، صدقيني لن ينقذك أحد
من عزيز بعد اليوم .. إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما
بأنفسهم ، وأنت لن تتغيري فكيف تظنين بأن الله سيغير ما في
نفسك له !
زياد .. تدرك بأنك من أقرب الناس إلى قلبي .. قلت لي مرة
بأن عمر الصداقة أطول بكثير من عمر الحب وأنا بحاجة لأن
أحتفظ بك لأطول فترة ممكنة .
لا بأس جمانة .. لا بأس !
قلت بصوت مخنوق : زياد .. لا تحزن .. أنت آخر رجل في
الدنيا يرضيني حزنه ..
قال بحروف صادقة : ساعتبر ما جرى مثلما قال ناجي ( وكأنما
هبة السماء قد استردتها السماء ) ، تصبحين على خير !
وهكذا عدت إليك .. حاولت أن أحتفظ بك قدر الإمكان .. كان
من الصعب عليّ أن أكبر من دونك .. لا أعرف كيف أكبر معك يا
عزيز ، لم تعلمني كيف أكبر ، تجعلني أكبر بجوارك من دون أن
تخبرني كيف تفعل هذا .. ضربت برغبة والدتي ونصائح هيفاء وح
زياد عرض الحائط ، تخليت عن راضهم أجمعين وتمسكت برضاك
وحدك لأنني أحتاج لأن أكبر !
أتدري يا عزيز .. قلقت كثيرا عليه ، خفت عليه لأنني أعرف بأن
زياد أرق من أن يتحمل الجرح .. زياد مختلف عنك .. أنت عتي إلى
درجة لا يجرحك شيء ، لكنه ليس كذلك .. ليس كذلك على الإطلاق!
كنت على يقين من أنك لن تعرف بما جرى بيننا البتة لأنني
أدرك كم هو ( رجل ) زياد .. لكنني أخذت أتآكل ندما ، ندمت على
قربي منه وعلى إعطائه فرصة العناية بي ، الفرصة التي لم أستحقها
يوما ..
كم كنا ظالمين وسيئين .. لكن الذنب لم يكن ذنب زياد .. فلماذا
قسونا عليه ..!.. لماذا جعلتني أقسو عليه ؟!
وكأنك لم تغب يوما .. عدت وكأنك لم تخطئ ولم تجنح ، لم
تشعرني بتقديرك لمعروف عودتي ولم أشعرك بالمنة أبدا !.. استعدت
زمام الأمور بسرعة ، جئت بقوة .. ونسيت أنا أو تناسيت ما بدر
منك ! .. كان لا بد من أن أفعل يا عزيز ، اضطررت لأن أفعل ..
كنت أعرف بأن ثمن تنازلي هذه المرة غال جدا ، لم تكن لتقف
معي هيفاء بعد كل ما جرى .. وأدرك جيدا بأنني خسرت زياد بعدها
وللأبد .. فترت علاقتك بزياد ، كنت مندهشا من بروده المفاجئ ومن
صدوده الغريب .. سألتني عدة مرات إن كان زياد قد أخبرني عن
شيء يخصك .. لكنني أنكرت كل أحاديثنا وكأنها لم تكن يوما ..
انتهى الفصل الدراسي .. كان فصلا من شقاء ، طويلا بمقدار
تعاسته .. دعوتني على العشاء بمناسبة نجاحي .. قلت لي بأن المناسبة
خاصة جدا .. قررنا أن نحتفل بقرب تخرجي مبكرا ، حيث لم يكن
باقيا على تخرجي سوى عام واحد .. دعوتني في المقهى .. سخرت
منك كثيرا لأنك دعوتني إلى هناك فالمكان لا يتناسب أبدا مع مقام
المناسبة ! .. لكنك تذرعت لي بإفلاسك فاشفقت عليك كعادتي ..
وجئتك كما أجيء عادة..
لطالما كنت امراة متطلبة ، كنت فتاة لا يرضيها شيء ولا
يغريها أحد .. لكنك حقنتني بأمصال الرضا ، دسست القناعة خفية
في مشربي .. فبت امرأة لا يهمها شيء سوى أن تكون معك !
نلتقي دوما في المقهى حيث نشعر هناك بالراحة والألفة كما لو
أننا في بيتنا .. بيتنا الذي نتخيله ولا نسكنه ، كنت تجلس إلى
( طاولتنا ) حينما دخلت .. وقفت ما أن رأيتني وقلت بضجر : تأخرت
يا بنت ! ..
الفصل 11
كنت بمزاج سيء أجبتك بعصبية : لن يضيرك الانتظار ،
فلطالما انتظرتك ! ..
جلسنا على كرسيين متقابلين .. فتحت حاسوبي المحمول مثلما
كنت تفعل وجلست من دون أن نتكلم .. رايت اسمك متصلا في
قائمة الماسنجر .. كتب لي عندما دخلت : طلبت لك ما تشربينه ،
تأخرت عليّ ولم أشأ أن تضيعي لحظات أخرى في التفكير فيما
ستطلبينه ..
كتبت لك : متى تقلع عن هذه العادة ؟
أي عادة ؟
أن تختار لي ما أشربه وما أتناوله ؟
لكنك تشربين المشروب نفسه وتأكلين الوجبة ذاتها في كل
مرة ..
فلتفرض أنني جئتك بشهية مختلفة ..
سأفترض الآن بأن هرموناتك مختلفة .. لأبرر لك مجيئك العنيف
هذا ..
قد تكون هرموناتي مختلة .. تفهم بأمزجة النساء أكثر مما
أفهم !
كنت أسترق النظر إليك بين الحين والآخر ، كنت منشغلا
بالكتابة وكأنك تحادث أحدا غيري على الماسنجر .. وكأنك لم تكن
تتحدث إليّ ..
تجاهلت ما كتبته ولم ترد عليّ .. جاءت النادلة بالقهوة .. كنت
أتابعك بعيني وأنا أرتشفها مفكرة فيما تفعله ومع من تتحدث .. كنت
منشغلا بالكتابة وكأنك تجلس وحدك لدرجة أنك لم ترفع عينيك ولو
لمرة باتجاهي !
ظهرت نافذة استقبال رسالة جديدة على بريدي بينما كنت
أراقبك ، كان صوت استقبالها عاليا فأفزعني .. كانت مرسلة من أحد
مواقع البطاقات الالكترونية التي ترسل إليّ عادة من خلالها .. فتحت
الرسالة .. فظهرت لي بطاقة من بطاقات المناسبات ..
كانت البطاقة عبارة عن صورة لحبل غسيل نشرت عليه ملابس
داخلية رجالية ونسائية ، كتب تحتها ( أحتاج لأن اشاركك كل شيء
حياتي ، أفكاري ، مستقبلي .. عمري ، بيتي ، أطفالي .. وملابسي
الداخلية ! .. تزوجيني يا عصبية ) .. عبدالله ..
رفعت عيني إليك ، كنت تنظر إلى شاشتك مبتسما وجبينك
يلمع توترا .. كتبت لك على الماسنجر ..
يا أخ ..
نعم يا أخت ؟
قل شيئا ..
كتبت ساخرا : شيئا !
ترى بعصب .
كتبت لي : إخس يا كتكوت شرس ، صاير تعصب كثيرا يا
مفترس ! ..
سأحذفك من قائمتي !..
لا ، لا .. إنتظري .. أممم .. فلتقولي شيئا أنت ..
ظننتك تحب حياة العزوبية ..
ألم تسمعي بمقولة ( يموت الأعزب ميتة الكلاب ويعيش
المتزوج عيشتها ) ..؟.. أنا مؤمن بها ..
ستتزوجني إذن لتعيش عيشة الكلاب !
قال سقراط يوما ( تزوج يا بني فإن وفقت في زواجك عشت
سعيدا وإن لم توقف أصبحت فيلسوفا ) .. أطمع بالفلسفة يا حبيبتي ،
لا ينقصني في حياتي سوى الفلسفة .. تزوجيني اجعليني فريدا ..
طيني عيشتي واجعلي مني فيلسوفا كما فعلت كسانتيبي بسقراط !.
كتبت : انت من جدك تبينا نتزوج ..؟
قدك أنا علشان أستهبل عليك ؟
متى ..
حينما ننزل إلى الرياض !
بعد أسبوعين ..؟
كتبت وأنت تبتسم : أربعة عشر يوما ، لا يزيدها يوم ..
دخلت إلى الموقع الذي أرسلت لي منه ، اخترت البطاقة
نفسها ، أعدت إرسالها إليك بعدما كتبت تحتها !lets do it
***
فوجئت بقصتك ذلك الصباح ، نشرت قصة قصيرة تلك المرة ..
الجانب الذي لم أكتشفه فيك يوما ، لم أتخيلك يوما قاصا يا
عزيز .. أنت رجل مقالات تجيد الخطابة وتنميق الكلمات بلا
إحساس ، قصائدك باردة على الرغم من بلاغتها .. لكنك كتبت قصة
ذلك اليوم ولأول مرة .. كتبت عن رجل أحب فراشة .. كان يلتقي
بها دوما على كرسي في منتصف طريق .. كان الكرسي واقعا بين
قريتين وكان الرجل جبانا لدرجة أنه لم يتجاوز الكرسي يوما إلى
الناحية الأخرى ! .. كان خائفا من المجهول ومما يخبئه الطرف
الآخر من العالم .. حتى غابت الفراشة عنه ، انتظرها وانتظرها .. ومل
الانتظار منه ومن فراشة كان من الواضح أنها نست صاحبها .. وفي
لحظة يأس حطت الفراشة على يده ، سعد بها وانشرحت سرائره
لكنها طارت إلى القرية في الجهة المقابلة ! .. خاف وبكى وفكر لكنه
قرر أخيرا أن يتبعها وسار إلى الناحية الأخرى ! ..
سألتني يوم ذاك لأول مرة عن رأيي فيما كتبت .. قلت لك : من
يملك القدرة على كتابة قصة قصيرة .. يملك القدرة على أن يكتب
رواية .. فلما لا تفعل ؟
أممم . في ذاكرة الجسد .. قالت كاتبتك أحلام مستغانمي على
لسان اللئيمة حياة " نحن نكتب الروايات لنقتل الأشخاص الذين
أصبح وجودهم عبئا علينا ، نحن نكتب لننتهي منهم " .. وليست لدي
الرغبة حاليا بالانتهاء من أحد ..
من الغريب أن تستشهد بأحلام ..ظننتك لا تحبها ..
يكفي أن تحبيها لأحبها .. لكنني لا أحب شخصيات النساء
اللاتي تخلقهن ، في كل امرأة منهم جانب لئيم لا أحبه أبدا ..
هي تختلقهن ولست تخلقهن يا عزيز ..
هي التي توجد هؤلاء النسوة .. سواء خلقتهن من العدم أم
اختلقتهن من الوجود ! .. ألم تكتب مرة بأن كل " روائي يشبه
أكاذيبه ..؟" .. أنا مؤمن بأنها تشبه نساءها وإن اختلفن ..
أظن بأن وضعها استثنائي ! ..
تعرفين مثلما أعرف بأن الاستثناء يؤكد القاعدة ..
سيؤلمني كثيرا شبهك بأبطال قصائدك ..
جمان ..!.. بإمكاني إدعاء الفضيلة لكن هذا لن يقنعني بكوني
فاضلا وإن أقنعتك بذلك ..
صمت قليلا وقلت : عزيز !.. لماذا تكتب ..
أممم .. أكتب لأتوازن ، لأفرغ همومي المتكدسة في داخلي ..
لأنتهي منها ولأطردها بعيدا عن نفسي ..
ظننتك ستقول بأنك تكتب لأنك تحب الكتابة ! ..
أنت تحبين الكتابة .. زياد يكتب لأنه يحبها .. أما أنا فأكتب لانه
من الواجب عليّ أن أكتب ، من واجب يتجاه نفسي أن أفعل ..
الكتابة هي الوسيلة الوحيدة التي تعيد توازين إليّ يا جمان ، أستيقظ
كل يوم في حالة تأرجح .. أصحو متذبذبا .. بعض مني يحلق هنا ..
وبعض آخر يبحر هناك .. الكتابة تعيد إليّ ثباتي ..
قلت : يقال بأن عقول الرجال تحت أقلامهم ..
أممم .. أظن بأن الرواية الأولى تتضمن من كاتبها الكثير .. لا
بد من أن تحتوي الرواية الأولى على بعض من أسرار الروائي ..
يضع الكاتب في إنتاجه البكر بعضا منه .. سواء أكان رجلا أو
امرأة ..
أنت قادر على أن تكتب يا عزيز ، لا تنقصك سوى الشجاعة ..
أتظنين بأنني قادر على أن أكتب شيئا مختلفا ، شيئا فريدا
ومؤثرا ..؟
هناك روايات فاشلة .. وروايات جيدة وروايات عظيمة ..!.. إن
لم تكتب شيئا عظيما فأنا على يقين من أنك ستكتب شيئا جيدا .. لا
ضرورة لأن تصبح يوهان فون غوته لتصبح كاتبا جيدا ، انت جيد
بما فيه الكفاية يا عزيز ..
أرأيت ..!.. هنا نختلف أنا وأنت .. أحتاج لأن أصبح كــ غوته
يا جمان .. أحتاج لأن أؤثر في القراء كما أثر فيهم .. أحتاج لأن
يكون لي تأثير مشابه .. ديكنز كتب في أغلب رواياته أكثر من 600
صفحة لكل رواية ن أجاثا كرستي كتبت 85 رواية في 85 عاما
قضتها في الحياة ! .. ماركيز باع أكثر من ثلاثين مليون نسخة خلال
مئة عام من لعزلة وترجمة روايته لعشرات اللغات .. أتظنين بأنني
قادر على أن اصبح مثلهم ؟
لن تعرف مدى تاثيرك على القارئ ما لم تجازف بالنشر ..
قلت بشرود : قد أفعل يا جمان .. قد أفعل ! ..
تظن بأنك لا تؤثر على الناس ولا تحرك شيئا في أعماقهم ..
تجهل مدى قدرتك وتأثيرك عليهم ، أخشى ما أخشاه .. ان تظهر
جاذبيتك جلبة في ما أظن بأنك ستكتبه يوما ، أحب أن أقرأ لك
وحدي .. لا أحب أن تكون متاحا للناس .. لا أحب ان تكون
للعامة ! .. لا أحب أن تقرأ رجلي امراة اخرى ، ألست من يقول بأن
في الرواية الأولى من صاحبها الكثير فكيف أتحمل أن يقرأ كثيرك
أحد ...!.. يقتلني أن يعرف أحد غيري الكثير منك وعنك .. لكنني
أحب أن تحقق بعض أحلامك !
في الحب تصبح الأحلام مشتركة ، نشعر بنشوة الوصول حينما
يحقق الآخر غايته وكأننا من حقق الغاية ومن أصاب الهدف ..
عرجت في طريقي إلى البيت على محل للهدايا ، ابتعت منه
قلما من الذهب الأبيض .. أرسلته إليك من خلال المحل مرفقا
ببطاقة صغيرة كتبت عليها .. ( عزيز : قال لوقيان يوما بأن البداية هي
نصف كل شيء . أهديك هذا القلم ليكون البداية .. بانتظار أن
تستخدمه يوما في كتابة إهداء روايتك الأولى إليّ ) جمانة ..
جاءتي الرد حالما وصلتك الهدية : جمانتي .. شكرا على
القلم ! .. أعدك أن أستخدمه لتوقيع عقود نجاحاتي كلها .. وعلى
رأسها عقد زواجنا ..!.. اغرمت بالقلم .. لانه منك ..
ولم تستخدم قلما غيره منذ ذاك .. قلت لي مرة بأن أجمل
مقالاتك كتبتها بحبره وبان أروع قصائدك لم تكتب إلا من خلاله ..
قلت لي بأنني أهديتك مخيلة والهاما ومشاعر وآفاقا بعيدة من خلال
قلم ..
أشعر الآن بأن القلم هو وسيلتي الوحيدة للقضاء عليك ، يقتلك
القلم .. تشعر بأنه غريمك على الرغم من عدم إيمانك بما أكتب ..
هكذا تقول .. ويقول زياد بأنك تدعي .. أحاول اليوم أن أكتب
لأنتهي منك ( عملا بمقولة أحلام التي لا تحب ! ) .. لن أدعي قوتي
أمامك ، سلبتني قوتي بكل ما أؤتي المغتصب من إجرام وبشاعة !
ما زلت أذكر الليلة التي سألتك فيها عن أبشع جريمة تظن بأنه
لا بد من تنفيذ حكم الإعدام فيها .. كنا نتحدث يوم ذاك عن عقوبة
الإعدام بالكرسي الكهربائي ..
قلت لي ومن دون تفكير : الاغتصاب ..
ظننتك ستقول القتل !
في الاغتصاب ألف جريمة قتل وقتل سواء أكان المغصب
رجلا أو امرأة .. ما بالك إن كان المغتصب طفلا !
أذكر كيف هززت براسك متقززا من الفكرة ، هززت برأسك
وأغمضت عينيك وكأنك تحاول طردها من مخيلتك .. لا أفهم كيف
تتقزز من اغتصاب رجل لامرأة .. وانت تغتصب سعادتي .. وقوتي ..
وراحتي .. وقلبي كل يوم ألف مرة ! لما تستهين بروحي يا عزيز ! ..
أتظن بأن الاغتصاب مشروط بعنف جسدي وماء يراق ؟! .. لا يا
عزيز .. الاغتصاب هو كل ما ينتهك ، جسدا ومشاعر وخصوصية ..
وحرية .. وأملاكا ، ولقد اغتصبت مني وفيّ أكثر مما تظن ..
ما أبشعك !
لا تمثل الحياة لك إلا حربا كبيرة تتخللها معارك .. كنت تطلق
على زياد وهيفاء لقب ( حلفاء المحور) ، لأنك ترى أنهم يساندونني
أكثر مما ينبغي .. لطالما اعتبرت ما بيننا حربا .. حربا طاحنة لا
رحمة فيها .. إما أن تكون فيها المنتصر وإما أن تكون خاسرا ..
حرب ينحاز لكل طرف فيها حلفاء ، حلفاء يساندونه ويدعمونه
ويوصلونه إلى النصر .. النصر الذي لا أفهم ماهيته يا عزيز ، ولا
أفهم متى ستحققه وكيف سيكون ! ..
قلت لي مرة بسخرية : لم نخرج مع حلفاء المحور منذ مدة طويلة ..
سالتك : أتراني أعلق صليبا معقوقا على صدري يا عزيز ؟ ..
كلا ! .. على فكرة جمان .. لا تظني بأنني ضد النازية ، على
الرغم من أنني ضد جرائم هتلر الدامية والتي ارتكبت خصيصا ضد
اليهود .. إلا أنني أرى في قوته على فرض النازية ما يستحق
الاحترام !
ما أمرك مع اليهود والطغاة ..؟!.. لماذا أنت دائما معهم ..؟
ابتسمت : أليس اليهود بأبناء عمنا ..؟!
عزيز ! .. لا تتهرب ..
قلت محاولا تغيير مجرى الحديث : لقد بحثت مرة في نسبك
وفي جذورك .. أتعرفين بأن جذورك يهودية ..؟
أعرف هذا .. فلقد كان سكان الجزيرة العربية قبل الاسلام إما
يهودا وإما نصارى او مشركين ! ..
جمان ، أنا لست مع اليهود .. لكنني لست ضدهم .. أنا ضد ما
يرتكبونه وضد ما يرتكب بحقهم !
قلت لك بسخرية : أتعرف مقولة هتلر الشهيرة ( قد كان بوسعي
أن أقضي على كل يهود العالم ولكنني تركت بعضا منهم لتعرفوا
لماذا كنت أبيدهم ) ..؟
هذا غير صحيح يا جمانة .. لو كان هتلر قادرا على إبادة العرق
اليهودي لأبادهم كلهم عن بكرة أبيهم ..
أنا على يقين من أن تاريخ الهولوكوست مبالغ فيه ..
أتعرفين بأن أغلب الدول الكبرى ومن ضمنها ألمانيا تعتبر
إنكار حقيقة الهولوكوست جريمة يعاقب عليها القانون .. يعني لو كنا
في فرنسا الآن أو في النمسا لسجنت على ما قلت فلا تتهوري يا
صغيرة !
لكنني هنا يا عزيز .. والقانون الكندي يكفل لي الحرية فيما
أقوله ..
قلت مداعبا : لذا أحبك ..! .. لأنك قوية كهتلر ولا يغيب عنك شيء ..
عزيز ..!.. لماذا تحب الطغاة ؟
أنا لا أحب الطغاة .. أنا أحب من يتمسك بقضيته ومن يناضل
من أجل هدف شعبي أو من أجل الحرية .. لا تظنين بأنني قاسي
القلب أو أنني أحب سفك الدماء يا جمانة ، أنا ضد القتال
والحروب الوحشية .. ضد الهيمنة لمجرد الهيمنة ، ولا تظني بأنني
متعصب لليهود .. أنا أحترم كثيرا مارتن لوثر كنج ، أحترم نيلسون مانديلا،
عبدالله أوجلان .. ومروان البرغوثي .. وحسن نصرالله ..
احترم كل من يحاول نصر عرقه أو مذهبه أو وطنه سواءا أكان
مسلما أو مسيحيا أو يهوديا .. ابيض اللون كان أو أسود ، عربيا كان
أو إسرائيليا أو حتى كرديا ..
تسفك الدماء دوما باسم الحرية ، يتذرع الطغاة بالحرية
لارتكاب جرائمهم ومجازرهم !
أنا مؤمن بمقولة غاندي ( إن طريق الاستقلال يجب أن تمهده
الدماء ) .. من المستحيل أن نحقق الاستقلال والحرية بالسلام يا
جمان ..
لكن غاندي رجل سلام ، ناضل غاندي بالسلام وليس بالعنف ..
وكيف مات يا جمان ..؟!.. مات مقتولا !.. حاولو اغتياله ست مرات
لأنه مناضل ينشد الحرية والمساواة .. أي أنه دفع دمه ثمنا
للنضال ..
عزيز لا تخلط بين الأهداف .. شتان ما بين أهداف ومآرب
موسوليني مثلا وبين أهداف ومآرب مارتن لوثر كنج .. من يحاول أن
يحرر عرقا .. يختلف تماما عن الذي يحاول استعباده ..
برأيي ، إن الهدف واحد .. عندما يتحرر عرق يستعبد آخر !
ومارتن كنج حاول أن يساوي حقوق عرق بآخر ، وهنا الفرق
يا عزيز ..
كنت تهز رأسك بعناد ..قلت لك مبتسمة : أتدري أن هتلر
ولينين من مواليد برج الحمل ؟
رفعت قداحتك في وجهي : جمان ، ما رأيك في أن أشعل
النيران في شعرك لأصبح ثالثهم ؟
فعلا فطرتك دموية .. يقال بأن موسوليني كان يضرب اقرانه في
طفولته كما سبق له وأن اغتصب فتاة في مراهقته .. لقد كان مجرما
بفطرته !
أممم . أنا شخصيا لا أحب إيذاء أحد .. لكنني لن أغفر لمن
يفكر في إيذائي .. لا تتوقعي أبدا ألا أنتقم من شخص تجرأ عليّ ،
حينما يقدم أحد على إيذائي أو على سلب ما هو حقي .. سأتحول
حينها إلى طاغية حقيقي ، سأدمر كل ما ومن في طريقي ، مهما كان
مقدار حبي لهذا الشخص !
وهكذا كنت .. تدمر كل من في طريقك في سبيل الوصول إلى
مآربك .. مهما كانت صغيرة وتافهة ، أنت تؤمن بأن الغاية تبرر
الوسيلة ، وأؤمن أنا بأن الوسيلة ـ أحيانا ـ أهم من الغاية !
أتأملك في أوقات عملك .. تجلس أمام حاسبوك المحمول وعيناك
تتابعان أسعار الأسهم العالمية التي تتراقص على شاشته والتي
تتعامل بها ، على يمينك أوراق بيضاء كتبت عليها بداية مقالتك ..
وإلى اليسار بعض مراجع علم الإدارة التي تستعين بها في إجراء
بحوث الجامعة .. أجلس خلف شاشة حاسوبك وأنا أتأملك .. اتأمل
الرجل الذي يطمح بأن يكون كاتبا عظيما ، وتاجرا كبيرا .. وأن
ينجح في دراسته ليصبح أستاذا في الجامعة ، يسعى لأن يصبح
مسؤولا عن شؤون الطلب السعوديين في غربته .. وأن يكوّن أسرة
صغيرة معي في غضون سنة أو سنتين !
لا تمثل الحياة لك إلا حربا كبيرة تتخللها معارك .. كنت تطلق
على زياد وهيفاء لقب ( حلفاء المحور) ، لأنك ترى أنهم يساندونني
أكثر مما ينبغي .. لطالما اعتبرت ما بيننا حربا .. حربا طاحنة لا
رحمة فيها .. إما أن تكون فيها المنتصر وإما أن تكون خاسرا ..
حرب ينحاز لكل طرف فيها حلفاء ، حلفاء يساندونه ويدعمونه
ويوصلونه إلى النصر .. النصر الذي لا أفهم ماهيته يا عزيز ، ولا
أفهم متى ستحققه وكيف سيكون ! ..
قلت لي مرة بسخرية : لم نخرج مع حلفاء المحور منذ مدة طويلة ..
سالتك : أتراني أعلق صليبا معقوقا على صدري يا عزيز ؟ ..
كلا ! .. على فكرة جمان .. لا تظني بأنني ضد النازية ، على
الرغم من أنني ضد جرائم هتلر الدامية والتي ارتكبت خصيصا ضد
اليهود .. إلا أنني أرى في قوته على فرض النازية ما يستحق
الاحترام !
ما أمرك مع اليهود والطغاة ..؟!.. لماذا أنت دائما معهم ..؟
ابتسمت : أليس اليهود بأبناء عمنا ..؟!
عزيز ! .. لا تتهرب ..
قلت محاولا تغيير مجرى الحديث : لقد بحثت مرة في نسبك
وفي جذورك .. أتعرفين بأن جذورك يهودية ..؟
أعرف هذا .. فلقد كان سكان الجزيرة العربية قبل الاسلام إما
يهودا وإما نصارى او مشركين ! ..
جمان ، أنا لست مع اليهود .. لكنني لست ضدهم .. أنا ضد ما
يرتكبونه وضد ما يرتكب بحقهم !
قلت لك بسخرية : أتعرف مقولة هتلر الشهيرة ( قد كان بوسعي
أن أقضي على كل يهود العالم ولكنني تركت بعضا منهم لتعرفوا
لماذا كنت أبيدهم ) ..؟
هذا غير صحيح يا جمانة .. لو كان هتلر قادرا على إبادة العرق
اليهودي لأبادهم كلهم عن بكرة أبيهم ..
أنا على يقين من أن تاريخ الهولوكوست مبالغ فيه ..
أتعرفين بأن أغلب الدول الكبرى ومن ضمنها ألمانيا تعتبر
إنكار حقيقة الهولوكوست جريمة يعاقب عليها القانون .. يعني لو كنا
في فرنسا الآن أو في النمسا لسجنت على ما قلت فلا تتهوري يا
صغيرة !
لكنني هنا يا عزيز .. والقانون الكندي يكفل لي الحرية فيما
أقوله ..
قلت مداعبا : لذا أحبك ..! .. لأنك قوية كهتلر ولا يغيب عنك شيء ..
عزيز ..!.. لماذا تحب الطغاة ؟
أنا لا أحب الطغاة .. أنا أحب من يتمسك بقضيته ومن يناضل
من أجل هدف شعبي أو من أجل الحرية .. لا تظنين بأنني قاسي
القلب أو أنني أحب سفك الدماء يا جمانة ، أنا ضد القتال
والحروب الوحشية .. ضد الهيمنة لمجرد الهيمنة ، ولا تظني بأنني
متعصب لليهود .. أنا أحترم كثيرا مارتن لوثر كنج ، أحترم نيلسون مانديلا،
عبدالله أوجلان .. ومروان البرغوثي .. وحسن نصرالله ..
احترم كل من يحاول نصر عرقه أو مذهبه أو وطنه سواءا أكان
مسلما أو مسيحيا أو يهوديا .. ابيض اللون كان أو أسود ، عربيا كان
أو إسرائيليا أو حتى كرديا ..
تسفك الدماء دوما باسم الحرية ، يتذرع الطغاة بالحرية
لارتكاب جرائمهم ومجازرهم !
أنا مؤمن بمقولة غاندي ( إن طريق الاستقلال يجب أن تمهده
الدماء ) .. من المستحيل أن نحقق الاستقلال والحرية بالسلام يا
جمان ..
لكن غاندي رجل سلام ، ناضل غاندي بالسلام وليس بالعنف ..
وكيف مات يا جمان ..؟!.. مات مقتولا !.. حاولو اغتياله ست مرات
لأنه مناضل ينشد الحرية والمساواة .. أي أنه دفع دمه ثمنا
للنضال ..
عزيز لا تخلط بين الأهداف .. شتان ما بين أهداف ومآرب
موسوليني مثلا وبين أهداف ومآرب مارتن لوثر كنج .. من يحاول أن
يحرر عرقا .. يختلف تماما عن الذي يحاول استعباده ..
برأيي ، إن الهدف واحد .. عندما يتحرر عرق يستعبد آخر !
ومارتن كنج حاول أن يساوي حقوق عرق بآخر ، وهنا الفرق
يا عزيز ..
كنت تهز رأسك بعناد ..قلت لك مبتسمة : أتدري أن هتلر
ولينين من مواليد برج الحمل ؟
رفعت قداحتك في وجهي : جمان ، ما رأيك في أن أشعل
النيران في شعرك لأصبح ثالثهم ؟
فعلا فطرتك دموية .. يقال بأن موسوليني كان يضرب اقرانه في
طفولته كما سبق له وأن اغتصب فتاة في مراهقته .. لقد كان مجرما
بفطرته !
أممم . أنا شخصيا لا أحب إيذاء أحد .. لكنني لن أغفر لمن
يفكر في إيذائي .. لا تتوقعي أبدا ألا أنتقم من شخص تجرأ عليّ ،
حينما يقدم أحد على إيذائي أو على سلب ما هو حقي .. سأتحول
حينها إلى طاغية حقيقي ، سأدمر كل ما ومن في طريقي ، مهما كان
مقدار حبي لهذا الشخص !
وهكذا كنت .. تدمر كل من في طريقك في سبيل الوصول إلى
مآربك .. مهما كانت صغيرة وتافهة ، أنت تؤمن بأن الغاية تبرر
الوسيلة ، وأؤمن أنا بأن الوسيلة ـ أحيانا ـ أهم من الغاية !
أتأملك في أوقات عملك .. تجلس أمام حاسبوك المحمول وعيناك
تتابعان أسعار الأسهم العالمية التي تتراقص على شاشته والتي
تتعامل بها ، على يمينك أوراق بيضاء كتبت عليها بداية مقالتك ..
وإلى اليسار بعض مراجع علم الإدارة التي تستعين بها في إجراء
بحوث الجامعة .. أجلس خلف شاشة حاسوبك وأنا أتأملك .. اتأمل
الرجل الذي يطمح بأن يكون كاتبا عظيما ، وتاجرا كبيرا .. وأن
ينجح في دراسته ليصبح أستاذا في الجامعة ، يسعى لأن يصبح
مسؤولا عن شؤون الطلب السعوديين في غربته .. وأن يكوّن أسرة
صغيرة معي في غضون سنة أو سنتين !
الفصل 12
لا أفهم كيف تظن بأنك قادر على أن تفعل كل هذا في وقت
واحد ! .. اخبرك دوما بأن لكل منا أولوياته وبضرورة أن تحدد
أولوياتك لتحقق بعضا منها .. لكنك تأبى أن تحصر أحلامك
وطموحاتك ، تظن بأنك قادر على أن تحققها كلها في آن واحد ..
لطالما كنت هكذا يا عزيز .. تسعى هنا وهناك وكل أحلامك في
المرتبة الأولى .. تؤمن بأنك قادر على تحقيقها .. والحقيقة بأنك لم
تحقق شيئا منها حتى الآن ، ولن تحقق منها شيئا أبدا .. تعتقد بأن
ذكاءك وحده يكفي لكن ذكاءك لن يحقق لك المال والشهرة
والسلطة والمنصب الرفيع والحب في الوقت ذاته ! .. طمعك هو
الذي سيحرمك من كل هذا يا عزيز ، سيأتي يوم تفقد فيه كل ما
تملك من مال بانهيار اقتصادي ( اعتدنا انهياره !) .. أو بمقامرة غبية
اعتدت على الاقدام عليها ..
لن يأتي اليوم الذي تدرِس فيه في الجامعة لأنك لم تكن يوما
رجل علم .. ولأن دراستك تقف على رجل خشبية مهترئة .. لن تصبح
كاتبا عظيما لأنك تدعي ما لا تؤمن به في ما تكتب ! .. لن تسعد
بالحب أبدا لأنك لم تكن وفيا البتة .. ولأنك لم تضح يوما من أجل
ذلك الحب ..
فكيف ستحقق كل هذا يا عزيز ..؟!.. أخبرني بالله كيف تظن
بأنك ستنجح في كل هذا ..؟ عجيبة هي رغباتنا .. وطموحاتنا .. تريد
أنت من الحياة كل شيء ولا أريد أنا منها شيئا غيرك ، تحتاج لأن
تحقق فيها كل أحلامك ، وأحتاج أن أحقق فيها حلما واحدا ليس إلا أنت !..
علمتك الحياة ألا ترضى إلا بالكثير .. وعلمتني الحياة أن
أرضى بالقليل الكثير .. ( انت ) ! ..
أرأيت كم هي عجيبة رغباتنا يا عزيز ..؟!.. أرأيت كم هي
مختلفة وكم هي متضاربة في القناعة والرضا ..؟
قال فيكتور هوغو ( لا ندرك حقيقتنا إلا بما نستطيع فعله من أعمال )
وحقيقتي تبدو قاتمة لأنني لم أحقق شيئا منذ أن عرفتك ،
لم تحقق شيئا لأنك تطمع بتحقيق كل شيء ، ولم أحقق
شيئا لأنني لم أرغب بتحقيق شيئ .. غيرك !
كلانا بعيدان كل البعد عن فيكتور هوغو الأديب الذي دفن
تحت قوس النصر في باريس نظرا لما حققه من أعمال أدبية .. أتراه
لم يطمع في كل شيء مثلك ..؟!.. أم تراه لم يحصر أحلامه في
شخص واحد مثلي ؟ .. كان مختلفا يا عزيز.. لا بد من أنه كان
مختلفا ، لم يكن طماعا .. ولم يكن خانعا .. ضعيفا .. ينتظر أن يجود
عليه أحد بالفتات مثلما أنتظر أن تجود عليّ بقربك ! ..
طاغية أنت وجشع !
كيف أحبك وامرأة مثلي لا تحب الطغاة .. ولا تطيق الجشع ؟؟!
كيف فعلت يا عزيز .. ليتك تخبرني كيف تمكنت من أن تفعل ..؟! ..
واحد ! .. اخبرك دوما بأن لكل منا أولوياته وبضرورة أن تحدد
أولوياتك لتحقق بعضا منها .. لكنك تأبى أن تحصر أحلامك
وطموحاتك ، تظن بأنك قادر على أن تحققها كلها في آن واحد ..
لطالما كنت هكذا يا عزيز .. تسعى هنا وهناك وكل أحلامك في
المرتبة الأولى .. تؤمن بأنك قادر على تحقيقها .. والحقيقة بأنك لم
تحقق شيئا منها حتى الآن ، ولن تحقق منها شيئا أبدا .. تعتقد بأن
ذكاءك وحده يكفي لكن ذكاءك لن يحقق لك المال والشهرة
والسلطة والمنصب الرفيع والحب في الوقت ذاته ! .. طمعك هو
الذي سيحرمك من كل هذا يا عزيز ، سيأتي يوم تفقد فيه كل ما
تملك من مال بانهيار اقتصادي ( اعتدنا انهياره !) .. أو بمقامرة غبية
اعتدت على الاقدام عليها ..
لن يأتي اليوم الذي تدرِس فيه في الجامعة لأنك لم تكن يوما
رجل علم .. ولأن دراستك تقف على رجل خشبية مهترئة .. لن تصبح
كاتبا عظيما لأنك تدعي ما لا تؤمن به في ما تكتب ! .. لن تسعد
بالحب أبدا لأنك لم تكن وفيا البتة .. ولأنك لم تضح يوما من أجل
ذلك الحب ..
فكيف ستحقق كل هذا يا عزيز ..؟!.. أخبرني بالله كيف تظن
بأنك ستنجح في كل هذا ..؟ عجيبة هي رغباتنا .. وطموحاتنا .. تريد
أنت من الحياة كل شيء ولا أريد أنا منها شيئا غيرك ، تحتاج لأن
تحقق فيها كل أحلامك ، وأحتاج أن أحقق فيها حلما واحدا ليس إلا أنت !..
علمتك الحياة ألا ترضى إلا بالكثير .. وعلمتني الحياة أن
أرضى بالقليل الكثير .. ( انت ) ! ..
أرأيت كم هي عجيبة رغباتنا يا عزيز ..؟!.. أرأيت كم هي
مختلفة وكم هي متضاربة في القناعة والرضا ..؟
قال فيكتور هوغو ( لا ندرك حقيقتنا إلا بما نستطيع فعله من أعمال )
وحقيقتي تبدو قاتمة لأنني لم أحقق شيئا منذ أن عرفتك ،
لم تحقق شيئا لأنك تطمع بتحقيق كل شيء ، ولم أحقق
شيئا لأنني لم أرغب بتحقيق شيئ .. غيرك !
كلانا بعيدان كل البعد عن فيكتور هوغو الأديب الذي دفن
تحت قوس النصر في باريس نظرا لما حققه من أعمال أدبية .. أتراه
لم يطمع في كل شيء مثلك ..؟!.. أم تراه لم يحصر أحلامه في
شخص واحد مثلي ؟ .. كان مختلفا يا عزيز.. لا بد من أنه كان
مختلفا ، لم يكن طماعا .. ولم يكن خانعا .. ضعيفا .. ينتظر أن يجود
عليه أحد بالفتات مثلما أنتظر أن تجود عليّ بقربك ! ..
طاغية أنت وجشع !
كيف أحبك وامرأة مثلي لا تحب الطغاة .. ولا تطيق الجشع ؟؟!
كيف فعلت يا عزيز .. ليتك تخبرني كيف تمكنت من أن تفعل ..؟! ..
سافرت إلى الرياض قبلك .. ظننت بأنه لا بد من تمهيد موضوع
زواجنا لعائلتي قبل أن تتقدم بطلبي ، أو بالاحرى أن أمهد
الموضوع لأمي .. هكذا تتصرف الفتيات دوما . ينقلن رغباتهن إلى
أمهاتهم اللاتي يلعبن دور الوسيط في كل أمر مرفوض عند الآباء
أو الأشقاء ، يقفن دوما في وجه المدفع ! .. نطلب منهن أن يقفن
في وجهه ليتلقين القذائف بدلا منا . من أجل حمايتنا من قوة لا
قدرة لنا على مجابهتها وكأن لديهن القدرة على أن يواجهنها
بمفردهن . . ننسى دوما بأننا كلنا نسوة وبأن الأم ما هي إلا امرأة
مثلنا ، امرأة على استعداد لأن تتلقى القذائف ببسالة لنسعد ونكبر
ونزهو .. وتنزف هي من آثار الشظايا إلى أمد لا ننتبه إليه غالبا ولا
تحدثنا عن ألمه أبدا .. لا أعرف لماذا نحمل أمهاتنا دوما ثمن أن
تكون أقدامهن فوق الجنة وكأنه دين عليهن تسديد ثمنه ! .. لطالما
ظننت بأن الأم سر ابنتها وبأنها المحامي الأعمى لها .. لكنني
اكتشفت بعد أن عرفتك بأن الام محامي ذريتها .. سواء أكانوا أبناءا
أو كن بناتا ! ..
أرقبك أحيانا وانت تتحدث مع أمك على الهاتف ، ترجوها أن
تطلب من والدك شيئا لك .. مالا .. وساطة .. مراجعة لمعاملة عالقة
مع أحد المراجع الحكومية ، ترجوها دوما أن تتحدث معه لتسهيل
أمورك العالقة ، ولم أشهد يوما على طلبك منه أيّ شيء .. لطالما
كانت أمك السائلة .. ولطالما كنت الملبي له باسم أمك التي لا
ذنب لها في تلك ( المنة ) سوى أنك الذي طلبت ! ..
سألتك يوما : استحبني مثلما يحب والدك والدتك ؟
قلت : كلا ..!.. ما بين والديّ كما بين معظم أزواج جيلهما ..
ليس إلا مودة ورحمة ..
وماذا في ذلك ..؟
لو أردت المودة والرحمة لتزوجت من أي امرأة لا اعرفها ،
لكنني أحتاج لأن أتزوج من المرأة التي أحب يا جمان .. أحتاج إلى
شوق وشغف وحب قوي يجمعنا ..
لكن المودة والرحمة ذكرا في القرآن الكرم كشرط لاستمرار
الحياة الزوجية .
الحب يجلب المودة والرحمة من دون شك ...!.. لكن المودة
والرحمة لا يجلبان الحب بضرورة الحال ..
لكنهما قد يجلبانه يا عزيز .. ألم تقل مي زيادة ( كم من حب
جاء ثمرة للزواج ) ..؟
هذا حقيقي ويحدث .. لكن نسبة حدوثه قليلة .. ما يحدث فعليا
هو الود والرحمة والاعتياد ..
استرجعت كلماتك وأنا في مطارهيثرو .. أصبحت أقرب إلى الوطن
وازدادت نبضاتي بسرعة .. لأول مرة أخشى أن اعود إلى
الرياض لأنني كنت أدرك بانني مقدمة على معركة ضروس .. أنت
نفسك لا تدرك قسوتها .. اتصلت بك اثناء انتظاري في صالة
المسافرين ، كنت بانتظار هاتفي يوكأنك تتوقع اتصالي ..
قلت لك : أظن بأنني سأهرب ! ..
قلت بسخرية : العروس الهاربة ! ..
أنا خائفة! ..
جمان انا بجانبك فلا تخافي .. المهم ألا تتهوري .. اختاري
الوقت المناسب للحديث مع والدتك .. ليس هناك من داع
للاستعجال ..
زواجنا لعائلتي قبل أن تتقدم بطلبي ، أو بالاحرى أن أمهد
الموضوع لأمي .. هكذا تتصرف الفتيات دوما . ينقلن رغباتهن إلى
أمهاتهم اللاتي يلعبن دور الوسيط في كل أمر مرفوض عند الآباء
أو الأشقاء ، يقفن دوما في وجه المدفع ! .. نطلب منهن أن يقفن
في وجهه ليتلقين القذائف بدلا منا . من أجل حمايتنا من قوة لا
قدرة لنا على مجابهتها وكأن لديهن القدرة على أن يواجهنها
بمفردهن . . ننسى دوما بأننا كلنا نسوة وبأن الأم ما هي إلا امرأة
مثلنا ، امرأة على استعداد لأن تتلقى القذائف ببسالة لنسعد ونكبر
ونزهو .. وتنزف هي من آثار الشظايا إلى أمد لا ننتبه إليه غالبا ولا
تحدثنا عن ألمه أبدا .. لا أعرف لماذا نحمل أمهاتنا دوما ثمن أن
تكون أقدامهن فوق الجنة وكأنه دين عليهن تسديد ثمنه ! .. لطالما
ظننت بأن الأم سر ابنتها وبأنها المحامي الأعمى لها .. لكنني
اكتشفت بعد أن عرفتك بأن الام محامي ذريتها .. سواء أكانوا أبناءا
أو كن بناتا ! ..
أرقبك أحيانا وانت تتحدث مع أمك على الهاتف ، ترجوها أن
تطلب من والدك شيئا لك .. مالا .. وساطة .. مراجعة لمعاملة عالقة
مع أحد المراجع الحكومية ، ترجوها دوما أن تتحدث معه لتسهيل
أمورك العالقة ، ولم أشهد يوما على طلبك منه أيّ شيء .. لطالما
كانت أمك السائلة .. ولطالما كنت الملبي له باسم أمك التي لا
ذنب لها في تلك ( المنة ) سوى أنك الذي طلبت ! ..
سألتك يوما : استحبني مثلما يحب والدك والدتك ؟
قلت : كلا ..!.. ما بين والديّ كما بين معظم أزواج جيلهما ..
ليس إلا مودة ورحمة ..
وماذا في ذلك ..؟
لو أردت المودة والرحمة لتزوجت من أي امرأة لا اعرفها ،
لكنني أحتاج لأن أتزوج من المرأة التي أحب يا جمان .. أحتاج إلى
شوق وشغف وحب قوي يجمعنا ..
لكن المودة والرحمة ذكرا في القرآن الكرم كشرط لاستمرار
الحياة الزوجية .
الحب يجلب المودة والرحمة من دون شك ...!.. لكن المودة
والرحمة لا يجلبان الحب بضرورة الحال ..
لكنهما قد يجلبانه يا عزيز .. ألم تقل مي زيادة ( كم من حب
جاء ثمرة للزواج ) ..؟
هذا حقيقي ويحدث .. لكن نسبة حدوثه قليلة .. ما يحدث فعليا
هو الود والرحمة والاعتياد ..
استرجعت كلماتك وأنا في مطارهيثرو .. أصبحت أقرب إلى الوطن
وازدادت نبضاتي بسرعة .. لأول مرة أخشى أن اعود إلى
الرياض لأنني كنت أدرك بانني مقدمة على معركة ضروس .. أنت
نفسك لا تدرك قسوتها .. اتصلت بك اثناء انتظاري في صالة
المسافرين ، كنت بانتظار هاتفي يوكأنك تتوقع اتصالي ..
قلت لك : أظن بأنني سأهرب ! ..
قلت بسخرية : العروس الهاربة ! ..
أنا خائفة! ..
جمان انا بجانبك فلا تخافي .. المهم ألا تتهوري .. اختاري
الوقت المناسب للحديث مع والدتك .. ليس هناك من داع
للاستعجال ..
ليس هناك من داع للاستعجال ، تظن أنت بأنه لا ضرورة
للاستعجال ! .. وأخشى أنا أن تباغتني بحقيقة أخرى لا احب
معرفتها عنك .. حقيقة كحقائق كثيرة أعرفها ، أحاول تجاهلها ..
ولا أعرف كيف أنساها ! .. لا تدرك أنت كم هو صعب عليّ أمر
كهذا .. كم من الصعب عليّ أن أجازف بالتغطية على أخطائك
وبمحاولة إبعاد عائلتي عنها ، أن اغامر بالاختيار على الرغم عنهم ،
وأنا أعرف جيدا بأن زواجا كزواجنا ما هو إلا مغامرة نسبة احتمال
فشلها تفوق نسبة احتمال نجاحها بكثير .. وافقت على الزواج منك
لأنك الحلم الوحيد .. ولأن زواجي منك أخف الأمرين يا عزيز ،
أعرف بأن حربا عنيفة بانتظاري هناك ، حيث أنا الفتاة الشامخة
الطويلة العنق التي لا تتزوج من رجل لطخ شموخه العبث وعدم
المسؤولية .. لا تدرك عائلتي بأنك دمرت شموخي وكبريائي . لقد
تحطمت أحجار كياني ، حجرا تلو الحجر تلو الحجر ! .. لا يدركون
بأن روحي بين يديك ، وبين أصابعك تقبض عليها بقوة فأنتفض
وترخي أصابعك عنها فانهار ! .. زواجنا ليس إلا مجازفة سأدفع
ثمنها وحدي يا عزيز وسأتجرع مرارتها وحدي .. لانني أعرف وعلى
الرغم من ( سذاجتي ! ) بأن رجلا مثلك لن ينتهي من حياته التي
اعتادها بتلك السهولة ولن ينتهي ..
أقدمت على الموافقة وأنا أعرف بأنك لن تكون يوما وفيا لي ،
ولن تحترم ما بيننا أبدا ، وافقت حتى لا أندم على عدم موافقتي
وإن كنت سأندم على زواجي منك .
قلت في نفسي : فالأندم .. الندم على زواجنا أخف كثيرا من الندم
على رفضي الارتباط بك .. على الأقل ، ومهما جرى بيننا ،
سأكون قد حققت حلمي بالزواج منك .. حينما نودي على رحلتي
المتوجهة إلى الرياض تنفست بعمق .. حملت حقيبة يدي وهاتفي
ونظارتي الشمسية وقد قررت أن أترك في لندن كل مخاوفي ، قررت
أن أطير إلى الرياض هذه المرة .. امرأة قوية مستقلة القرار ، قررت
أن أدافع عما أرغب وأن أختار من أحب من دون أن اقحم في
صراعي امرأة أخرى لا ذنب لها في هذا الصراع سوى أنها أمي ! ..
قررت أن أتحمل وحدي هذا الصراع ، وأن أتحمل وحدي نتيجته
التي أعرفها أكثر مما أعرف أي شيء آخر .. طرت يومها إلى
الرياض يا عزيز ولم يكن في مخيلتي سوى رجل بعيد ، أعلم جيدا
بأنه سيخذلني .. ولم يكن ليخذلني غيرك يا عزيز ..
أبدا ..!
***
مضت الأيام مسرعة على الرغم من قسوتها .. مرّ كل شيء
كحلم غريب ، كنوع من الأحلام التي لا نفهم ماهيتها .. لا نفهم
إن كانت رؤيا أم انها مجرد أضغاث أحلام ، تطبق على صدري
جاثمة ليالي عدة .. وتبدو في ليال أخرى كحلم رقيق يداعب أنوثتي
بنعومة ليغريني بحلم آخر وليلة أخرى ! ..
تعلمت ألا أقاوم أقداري وألا احاول التهرب منها يا عزيز ، لا
قدرة لنا على التنصل من الأقدار يا عزيز . . لن نقدر يوما على الفرار
من مكاتيب كتبت وأقدار قدرت وحياة رسمت .. أصبحت أمضي
معك راضية منتظرة أن أصل إلى نهاية الطريق .. أن يغلق ملف
القدر وان ينتهي كل شيء بأمره كما ابتدأ كل شيء بأمره سبحانه جل شأنه ..
عدت إلى الرياض .. لا لأقاوم الأقدار يا عزيز بل لأدافع
عنها .. وإن كانت الأقدار لا تحتاج إلى دفاع .. أعرف بأنه قد قدر
لي أن أمضي معك حتى تحرق في أعماقي كل ما هو أخضر ،
سأمضي معك حتى تعكر كل زلال في داخلي .. لأنك لن تتركني
حتى تلوث كل ما هو نقي ، وتقتل كل ما هو حي ! ..
انتشلني صوت بتيل وهي تربت على ركبتي بيدها : وأخيرا
جئت ! .. اشتقنا إليك هذه المرة أكثر من أي مرة جمانة ..
كنت أجلس على طرف السرير في غرفتي ، وكان على الأرض
أمامي كل من صبا وبتيل وحقائبي المغلقة ! .. كانت والدتي تقف
بجواري وهي تمسح على شعري بلهفة المشتاق ..
قالت صبا : معها حق بتيل ، افتقدناك كثيرا .. لا أصدق بأنك
ستعودين بعد عام !
قلت لها وأنا أنظر إلى أمي مبتسمة : قد لا أعود ! ..
قالت أمي بانزعاج : من غير شر ! .. اتفقنا أن تتغربي من أجل
البكالوريوس فقط .. وما تبقى من دراستك تكملينه هنا عندي ..
قالت بتيل مداعبة لأمي : عندما تأتي جمانة .. لا يهمك أحد
غيرها !
قلت وانا أغمز لها : لذا سأظل هناك . . لتدللكما بضعة أعوام
أخرى ..
سألتني صبا : أستكملين الماجستير ..؟
ربما ..! .. وربما أتزوج ..
للاستعجال ! .. وأخشى أنا أن تباغتني بحقيقة أخرى لا احب
معرفتها عنك .. حقيقة كحقائق كثيرة أعرفها ، أحاول تجاهلها ..
ولا أعرف كيف أنساها ! .. لا تدرك أنت كم هو صعب عليّ أمر
كهذا .. كم من الصعب عليّ أن أجازف بالتغطية على أخطائك
وبمحاولة إبعاد عائلتي عنها ، أن اغامر بالاختيار على الرغم عنهم ،
وأنا أعرف جيدا بأن زواجا كزواجنا ما هو إلا مغامرة نسبة احتمال
فشلها تفوق نسبة احتمال نجاحها بكثير .. وافقت على الزواج منك
لأنك الحلم الوحيد .. ولأن زواجي منك أخف الأمرين يا عزيز ،
أعرف بأن حربا عنيفة بانتظاري هناك ، حيث أنا الفتاة الشامخة
الطويلة العنق التي لا تتزوج من رجل لطخ شموخه العبث وعدم
المسؤولية .. لا تدرك عائلتي بأنك دمرت شموخي وكبريائي . لقد
تحطمت أحجار كياني ، حجرا تلو الحجر تلو الحجر ! .. لا يدركون
بأن روحي بين يديك ، وبين أصابعك تقبض عليها بقوة فأنتفض
وترخي أصابعك عنها فانهار ! .. زواجنا ليس إلا مجازفة سأدفع
ثمنها وحدي يا عزيز وسأتجرع مرارتها وحدي .. لانني أعرف وعلى
الرغم من ( سذاجتي ! ) بأن رجلا مثلك لن ينتهي من حياته التي
اعتادها بتلك السهولة ولن ينتهي ..
أقدمت على الموافقة وأنا أعرف بأنك لن تكون يوما وفيا لي ،
ولن تحترم ما بيننا أبدا ، وافقت حتى لا أندم على عدم موافقتي
وإن كنت سأندم على زواجي منك .
قلت في نفسي : فالأندم .. الندم على زواجنا أخف كثيرا من الندم
على رفضي الارتباط بك .. على الأقل ، ومهما جرى بيننا ،
سأكون قد حققت حلمي بالزواج منك .. حينما نودي على رحلتي
المتوجهة إلى الرياض تنفست بعمق .. حملت حقيبة يدي وهاتفي
ونظارتي الشمسية وقد قررت أن أترك في لندن كل مخاوفي ، قررت
أن أطير إلى الرياض هذه المرة .. امرأة قوية مستقلة القرار ، قررت
أن أدافع عما أرغب وأن أختار من أحب من دون أن اقحم في
صراعي امرأة أخرى لا ذنب لها في هذا الصراع سوى أنها أمي ! ..
قررت أن أتحمل وحدي هذا الصراع ، وأن أتحمل وحدي نتيجته
التي أعرفها أكثر مما أعرف أي شيء آخر .. طرت يومها إلى
الرياض يا عزيز ولم يكن في مخيلتي سوى رجل بعيد ، أعلم جيدا
بأنه سيخذلني .. ولم يكن ليخذلني غيرك يا عزيز ..
أبدا ..!
***
مضت الأيام مسرعة على الرغم من قسوتها .. مرّ كل شيء
كحلم غريب ، كنوع من الأحلام التي لا نفهم ماهيتها .. لا نفهم
إن كانت رؤيا أم انها مجرد أضغاث أحلام ، تطبق على صدري
جاثمة ليالي عدة .. وتبدو في ليال أخرى كحلم رقيق يداعب أنوثتي
بنعومة ليغريني بحلم آخر وليلة أخرى ! ..
تعلمت ألا أقاوم أقداري وألا احاول التهرب منها يا عزيز ، لا
قدرة لنا على التنصل من الأقدار يا عزيز . . لن نقدر يوما على الفرار
من مكاتيب كتبت وأقدار قدرت وحياة رسمت .. أصبحت أمضي
معك راضية منتظرة أن أصل إلى نهاية الطريق .. أن يغلق ملف
القدر وان ينتهي كل شيء بأمره كما ابتدأ كل شيء بأمره سبحانه جل شأنه ..
عدت إلى الرياض .. لا لأقاوم الأقدار يا عزيز بل لأدافع
عنها .. وإن كانت الأقدار لا تحتاج إلى دفاع .. أعرف بأنه قد قدر
لي أن أمضي معك حتى تحرق في أعماقي كل ما هو أخضر ،
سأمضي معك حتى تعكر كل زلال في داخلي .. لأنك لن تتركني
حتى تلوث كل ما هو نقي ، وتقتل كل ما هو حي ! ..
انتشلني صوت بتيل وهي تربت على ركبتي بيدها : وأخيرا
جئت ! .. اشتقنا إليك هذه المرة أكثر من أي مرة جمانة ..
كنت أجلس على طرف السرير في غرفتي ، وكان على الأرض
أمامي كل من صبا وبتيل وحقائبي المغلقة ! .. كانت والدتي تقف
بجواري وهي تمسح على شعري بلهفة المشتاق ..
قالت صبا : معها حق بتيل ، افتقدناك كثيرا .. لا أصدق بأنك
ستعودين بعد عام !
قلت لها وأنا أنظر إلى أمي مبتسمة : قد لا أعود ! ..
قالت أمي بانزعاج : من غير شر ! .. اتفقنا أن تتغربي من أجل
البكالوريوس فقط .. وما تبقى من دراستك تكملينه هنا عندي ..
قالت بتيل مداعبة لأمي : عندما تأتي جمانة .. لا يهمك أحد
غيرها !
قلت وانا أغمز لها : لذا سأظل هناك . . لتدللكما بضعة أعوام
أخرى ..
سألتني صبا : أستكملين الماجستير ..؟
ربما ..! .. وربما أتزوج ..
سحبت والدتي يديها من على شعري ببطء .. فالتفت نحوها ..
كانت تنظر إليّ نظرة عميقة أعرفها جيدا !
قالت بصرامة : فالنؤجل الحديث الآن .. لا بد من أن أختكما متعبة!
قالت بتيل برجاء وهي تحتضن ساقيّ : فلنجلس معها قليلا ..
اشتقنا إليها ! ..
قالت أمي : المسكينة متعبة ! .. فلنتركها لتستحم الآن وتأكل ..
ومن ثم تنزل لتجلس معنا فالجميع قد اشتاقوا إليها ! ..
اتصلت بك ما أن دلفت أمي وأخواتي إلى مجلس والدي ..
كنت نصف نائم حينما أجبتني : حياتي !
عزيز المعذرة ! أأيقظتك ..؟
قلت بسخرية : تعرفين بأنك أيقظتني فلا تدعي غير ذلك !
إلهي كم من الجميل أن يستيقظ المرء على صوت الجمان ..
أخبريني .. أوصلت ؟
أجبتك بتهكم : تعرف بأنني قد وصلت فلا تدعي غير ذلك !
ضحكت : حمدا لله على سلامتك .. الا تزال رياضك
رمادية ؟
قلت لك بعناد : بل وردية ..
كنت أعرف بأنك مصابة بعمى الألوان !
أتقبل بأن تتزوج امراة معطوبة ..؟
سأعيد النظر في الموضوع ! المهم .. حدثيني .. كيف هي
الامور ..؟
سأخبرك لاحقا عزيز . . والداي بانتظاري .. أردت فقط
أن أطمئن عليك ..
صمت قليلا وقلت : جمان .. لا تخافي .. سيجري كل شيء
على ما يرام .. اعدك ..
كان لا بد من أن تفي بوعدك ذاك يا عزيز ، كان لا بد من أن
تفي به .. كنت أدرك بأن وعودك ( رخيصة ) وسهلة لكنني تشبثت
بوعدك على أمل ان تفي به يوما .. كنت بحاجة لأن تفي بوعدك
تلك المرة على الأقل .. كان ليكفيني يا عزيز ! .. كان ليعوضني عن
كل وعد أعطيتني إياه ولم تف به .. كان ليعوضني عن كل عهد
قطعته لي وأخلفت به ، فالإقدام على بعض القرارات كاختيار الحياة
او الموت .. بعض القرارات مصيرية إلى حد أن السعادة والتعاسة
يقفان على مشارف ذلك القرار .. لا بد من أن نفسح لأحدهما
بالدخول إلى حياتنا لنعايشه حسبما قررنا واخترنا .. ولقد كنت
قراري ، قرار حياتي وموتي الذي كان لا بد من أن أقدم عليه ..
اتجهت نحو صالة الطعام حيث كان الجميع بانتظاري .. قضينا
سهرتنا في استعراض المستجدات التي حدثت خلال غيابي ..
من تزوج ، من أنجب .. من تخرج .. ومن توفي .. على الرغم
من أنني كنت على دراية بكل هذه الأحداث ، فالذي لا تخبرني إياه والدتي
على الهاتف .. تخبرني إياه بتيل وصبا على الانترنت ! .. كنت متعبة
وقلقة ولا يشغل رأسي غيرك وحديث ( الأقارب ! ) ذلك لم يرق لي
الخوض فيه .
قال خالد مداعبا : جمانة هادئة هذا المساء ! .. ما الأمر جمانة ،
أكبرت ؟
أجبته : لدى كل صديقة لي ابن في عمرك يا خالد .. وأنت لا
تزال تسأل إن كنت قد كبرت !..
وضع سعود يديه على رأسه : بدأ المسلسل المعتاد ..!..
نظرت إلى خالد الذي كنت أعرف جيدا كم هو مشتاق إليّ
وضحكنا .. أتعرف بأن خالد يشابهك في التعبير عن شوقه يا عزيز ..
شوقه ساخر كشوقك أنت.. يبث شوقه بطريقة تهكمية تزداد وتنقص
حدتها بمقدار شوقه ! .. اتعرف بأنني أصبحت أشابهك في اسلوبك
أيضا .. ألم أخبرك بأن أي عاشقين يصلان إلى مرحلة يتحدثان فيها
باللغة ذاتها ويستخدمان فيها المفردات نفسها ..!
حينما قلت لخالد بأن لدى كل صديقة لي ابنا في عمرك ،
تذكرت قولك لي بأنك لو كنت قد تزوجت لكانت لديك ابنة في
عمري ! .. تخبرني بهذا دوما لتؤكد لي بأنك ملم بكل شيء ، وبأن
خبرتك أكبر وبأنك تفقه أكثر مني ..
تعذرت بإرهاقي وبحاجتي إلى الراحة كي أصعد إلى غرفتي ..
في كل مرة أزور فيها أهلي يدب نشاط عجيب في جسدي وكانني
لم أقض ساعات وساعات على كرسي صغير في الطائرة ، لكنني
شعرت تلك المرة بالوهن .. الوهن الذي يسبق المواجهة والذي يجعلك
تتردد ألف مرة ومرة قبل الإقدام على شيء أو مواجهة أمر
عظيم ما .. دخلت فراشي لأتصل بك ، كنت بحاجة لأن تشد من
أزري ولأن تبث في نفسي الطمأنينة لأتمكن من أن أنام ..طرقت
والدتي الباب قبل أن أتصل بك ، جاءتني ودخلت الفراش بجواري ،
أتكأت بمرفقها على الوسادة وهي تتأملني .. قالت : أخبريني الآن
جمانة .. ما الأمر ..؟
قلت لها مبتسمة : أمي .. أتعرفين بأنني أشبهك جدا ..؟
لا يعرف أحد إن كان شبيها بأحد .. الناس هم الذي يخبروننا
عن مقدار الشبه يا جمانة ..
لا .. لأ أقصد تشابهنا في الملامح بل في التصرفات ، أتعرفين
بأنني قد فعلت مع هيفاء مرة ذات التصرف الذي تفعلينه معي
الآن ..؟
وماذا أفعل الآن ..؟
تتسللين إلى سريري لتعرفي الأسرار ..
أتعرفين بأن الأسرار ما هي إلا أخطاء نخفيها ..؟
ومن قال لك بأن كل سر ما هو إلا خطأ ..؟
لانه لو لم يكن خطأ لا أخفيناه ..
أمي .. لا تتحدثي كما تتحدث الأمهات ..!
لكنني امك !
أنت مختلفة .. لست كالأمهات ! .. أنت صديقتي التي تدعمني
دوما ولولا دعمك لما سافرت من الأساس ..
أخشى أن يكون سفرك خطأ .. سندفع كلنا ثمنه يا جمانة ..
اعتدلت في جلستي : أمي .. ألا تثقين بي ..؟
أخبريني أولا .. حكاية ( القيرلاني ) كلها ..
أمي .. عبدالعزيز سينزل بعد أيام ليخطبني ..
اتسعت عيناها بقوة : هكذا ..! ببساطة ..؟
وما المشكلة ! .. ألا تعرفين ما المشكلة يا جمانة ..؟.. أتتزوجين من
رجل لا يثق بك ..؟.. أتتزوجين من رجل تعرفين بأنه سيدمرك في
لحظة غضب كما كاد أن يفعل ، جمانة .. تخيلي لو أن والدك الذي
أجابه تلك المرة أو أحد شقيقيك .. تخيلي ما الذي كان سيحدث
لو أخبرهما بأنك تعبثين مع رجل حيث أنت ..!.. جمانة من يحب
لا يؤذي الفتاة التي يحبها ..
ليس إلا طيش شباب يا أمي ..
طيش شباب ..؟.. الم تقولي لي بأنه في الثالثة والثلاثين ..؟..
أي طيش شباب هذا الذي تتحدثين عنه ..؟
لكنني أحبه أمي وأنت تعرفين بأنني لن أتزوج إلا من رجل أحبه .
الحب ليس كل شيء يا جمانة ..
قلت لها وعيناي تدمعان : لكنك تزوجت الرجل الذي تحبين ..
ولهذا أقول لك بأن الحب ليس كل شيء .. جمانة .. الزواج
يختلف كليا عن الحب ! .. عندما تتزوجين تتغير الموازين كلها ، مهما
أحببت هذا الرجل ومهما ظننت بأنك تعرفينه ، صدقيني ستكتشفين
بأنك لم تعرفيه يوما ..
دعيني أجرب يا أمي ..!.. امنحوني الفرصة في أن أختار الرجل
الذي سأقضي معه حياتي ..
لم يجبرك أحد على أن تتزوجي رجلا لا ترغبين به جمانة ،
لكن هذا الرجل لا يناسبك أبدا ..
أمي ، سأتحمل وحدي نتائج هذه الزيجة .. صدقيني لن ألجأ
إليكم أبدا ..مهما جرى بيني وبينه لن أطلب منكم أن تتدخلوا بيننا
مهما حدث ، لن ألومكم يوما على السماح لي بالزواج منه ! ..
جمانة هذا الرجل لا يناسبك .. أنا أمك وأعرف أين تكون
مصلحتك ..
تمسكت بيدها وأنا ابكي : أمي أرجوك .. أنت أمي .. إن لم
تقفي معي أنت لن يقف معي أحد ، صدقيني أمي .. سعادتي مع عبد
العزيز .. لقد حافظ عليّ عبدالعزيز طوال السنوات الأربع الماضية ..
إن لم أتزوج من عبدالعزيز أقسم لك بأنني لن أتزوج غيره ! .. لا
قدرة لي على أن أحب رجلا آخر ، أفهميني ..
جمانة .. غدا ستكبرين وستنسين .. حينما تتزوجين الرجل
المناسب صدقيني ستضحكين كثيرا على هذه الأيام !
قلت لها وأنا أشهق بكاءا : أمي .. أنا لست بمراهقة حتى تقولي
لي بأنني سأنسى حينما أكبر ! .. أمي أفعلي ما شئت ، أنا لن
أعصاكم .. لكنني أقسم لك بأنني لن أسامحكم أبدا إن حرمتوني
منه ..!..
كانت تنظر إليّ نظرة عميقة أعرفها جيدا !
قالت بصرامة : فالنؤجل الحديث الآن .. لا بد من أن أختكما متعبة!
قالت بتيل برجاء وهي تحتضن ساقيّ : فلنجلس معها قليلا ..
اشتقنا إليها ! ..
قالت أمي : المسكينة متعبة ! .. فلنتركها لتستحم الآن وتأكل ..
ومن ثم تنزل لتجلس معنا فالجميع قد اشتاقوا إليها ! ..
اتصلت بك ما أن دلفت أمي وأخواتي إلى مجلس والدي ..
كنت نصف نائم حينما أجبتني : حياتي !
عزيز المعذرة ! أأيقظتك ..؟
قلت بسخرية : تعرفين بأنك أيقظتني فلا تدعي غير ذلك !
إلهي كم من الجميل أن يستيقظ المرء على صوت الجمان ..
أخبريني .. أوصلت ؟
أجبتك بتهكم : تعرف بأنني قد وصلت فلا تدعي غير ذلك !
ضحكت : حمدا لله على سلامتك .. الا تزال رياضك
رمادية ؟
قلت لك بعناد : بل وردية ..
كنت أعرف بأنك مصابة بعمى الألوان !
أتقبل بأن تتزوج امراة معطوبة ..؟
سأعيد النظر في الموضوع ! المهم .. حدثيني .. كيف هي
الامور ..؟
سأخبرك لاحقا عزيز . . والداي بانتظاري .. أردت فقط
أن أطمئن عليك ..
صمت قليلا وقلت : جمان .. لا تخافي .. سيجري كل شيء
على ما يرام .. اعدك ..
كان لا بد من أن تفي بوعدك ذاك يا عزيز ، كان لا بد من أن
تفي به .. كنت أدرك بأن وعودك ( رخيصة ) وسهلة لكنني تشبثت
بوعدك على أمل ان تفي به يوما .. كنت بحاجة لأن تفي بوعدك
تلك المرة على الأقل .. كان ليكفيني يا عزيز ! .. كان ليعوضني عن
كل وعد أعطيتني إياه ولم تف به .. كان ليعوضني عن كل عهد
قطعته لي وأخلفت به ، فالإقدام على بعض القرارات كاختيار الحياة
او الموت .. بعض القرارات مصيرية إلى حد أن السعادة والتعاسة
يقفان على مشارف ذلك القرار .. لا بد من أن نفسح لأحدهما
بالدخول إلى حياتنا لنعايشه حسبما قررنا واخترنا .. ولقد كنت
قراري ، قرار حياتي وموتي الذي كان لا بد من أن أقدم عليه ..
اتجهت نحو صالة الطعام حيث كان الجميع بانتظاري .. قضينا
سهرتنا في استعراض المستجدات التي حدثت خلال غيابي ..
من تزوج ، من أنجب .. من تخرج .. ومن توفي .. على الرغم
من أنني كنت على دراية بكل هذه الأحداث ، فالذي لا تخبرني إياه والدتي
على الهاتف .. تخبرني إياه بتيل وصبا على الانترنت ! .. كنت متعبة
وقلقة ولا يشغل رأسي غيرك وحديث ( الأقارب ! ) ذلك لم يرق لي
الخوض فيه .
قال خالد مداعبا : جمانة هادئة هذا المساء ! .. ما الأمر جمانة ،
أكبرت ؟
أجبته : لدى كل صديقة لي ابن في عمرك يا خالد .. وأنت لا
تزال تسأل إن كنت قد كبرت !..
وضع سعود يديه على رأسه : بدأ المسلسل المعتاد ..!..
نظرت إلى خالد الذي كنت أعرف جيدا كم هو مشتاق إليّ
وضحكنا .. أتعرف بأن خالد يشابهك في التعبير عن شوقه يا عزيز ..
شوقه ساخر كشوقك أنت.. يبث شوقه بطريقة تهكمية تزداد وتنقص
حدتها بمقدار شوقه ! .. اتعرف بأنني أصبحت أشابهك في اسلوبك
أيضا .. ألم أخبرك بأن أي عاشقين يصلان إلى مرحلة يتحدثان فيها
باللغة ذاتها ويستخدمان فيها المفردات نفسها ..!
حينما قلت لخالد بأن لدى كل صديقة لي ابنا في عمرك ،
تذكرت قولك لي بأنك لو كنت قد تزوجت لكانت لديك ابنة في
عمري ! .. تخبرني بهذا دوما لتؤكد لي بأنك ملم بكل شيء ، وبأن
خبرتك أكبر وبأنك تفقه أكثر مني ..
تعذرت بإرهاقي وبحاجتي إلى الراحة كي أصعد إلى غرفتي ..
في كل مرة أزور فيها أهلي يدب نشاط عجيب في جسدي وكانني
لم أقض ساعات وساعات على كرسي صغير في الطائرة ، لكنني
شعرت تلك المرة بالوهن .. الوهن الذي يسبق المواجهة والذي يجعلك
تتردد ألف مرة ومرة قبل الإقدام على شيء أو مواجهة أمر
عظيم ما .. دخلت فراشي لأتصل بك ، كنت بحاجة لأن تشد من
أزري ولأن تبث في نفسي الطمأنينة لأتمكن من أن أنام ..طرقت
والدتي الباب قبل أن أتصل بك ، جاءتني ودخلت الفراش بجواري ،
أتكأت بمرفقها على الوسادة وهي تتأملني .. قالت : أخبريني الآن
جمانة .. ما الأمر ..؟
قلت لها مبتسمة : أمي .. أتعرفين بأنني أشبهك جدا ..؟
لا يعرف أحد إن كان شبيها بأحد .. الناس هم الذي يخبروننا
عن مقدار الشبه يا جمانة ..
لا .. لأ أقصد تشابهنا في الملامح بل في التصرفات ، أتعرفين
بأنني قد فعلت مع هيفاء مرة ذات التصرف الذي تفعلينه معي
الآن ..؟
وماذا أفعل الآن ..؟
تتسللين إلى سريري لتعرفي الأسرار ..
أتعرفين بأن الأسرار ما هي إلا أخطاء نخفيها ..؟
ومن قال لك بأن كل سر ما هو إلا خطأ ..؟
لانه لو لم يكن خطأ لا أخفيناه ..
أمي .. لا تتحدثي كما تتحدث الأمهات ..!
لكنني امك !
أنت مختلفة .. لست كالأمهات ! .. أنت صديقتي التي تدعمني
دوما ولولا دعمك لما سافرت من الأساس ..
أخشى أن يكون سفرك خطأ .. سندفع كلنا ثمنه يا جمانة ..
اعتدلت في جلستي : أمي .. ألا تثقين بي ..؟
أخبريني أولا .. حكاية ( القيرلاني ) كلها ..
أمي .. عبدالعزيز سينزل بعد أيام ليخطبني ..
اتسعت عيناها بقوة : هكذا ..! ببساطة ..؟
وما المشكلة ! .. ألا تعرفين ما المشكلة يا جمانة ..؟.. أتتزوجين من
رجل لا يثق بك ..؟.. أتتزوجين من رجل تعرفين بأنه سيدمرك في
لحظة غضب كما كاد أن يفعل ، جمانة .. تخيلي لو أن والدك الذي
أجابه تلك المرة أو أحد شقيقيك .. تخيلي ما الذي كان سيحدث
لو أخبرهما بأنك تعبثين مع رجل حيث أنت ..!.. جمانة من يحب
لا يؤذي الفتاة التي يحبها ..
ليس إلا طيش شباب يا أمي ..
طيش شباب ..؟.. الم تقولي لي بأنه في الثالثة والثلاثين ..؟..
أي طيش شباب هذا الذي تتحدثين عنه ..؟
لكنني أحبه أمي وأنت تعرفين بأنني لن أتزوج إلا من رجل أحبه .
الحب ليس كل شيء يا جمانة ..
قلت لها وعيناي تدمعان : لكنك تزوجت الرجل الذي تحبين ..
ولهذا أقول لك بأن الحب ليس كل شيء .. جمانة .. الزواج
يختلف كليا عن الحب ! .. عندما تتزوجين تتغير الموازين كلها ، مهما
أحببت هذا الرجل ومهما ظننت بأنك تعرفينه ، صدقيني ستكتشفين
بأنك لم تعرفيه يوما ..
دعيني أجرب يا أمي ..!.. امنحوني الفرصة في أن أختار الرجل
الذي سأقضي معه حياتي ..
لم يجبرك أحد على أن تتزوجي رجلا لا ترغبين به جمانة ،
لكن هذا الرجل لا يناسبك أبدا ..
أمي ، سأتحمل وحدي نتائج هذه الزيجة .. صدقيني لن ألجأ
إليكم أبدا ..مهما جرى بيني وبينه لن أطلب منكم أن تتدخلوا بيننا
مهما حدث ، لن ألومكم يوما على السماح لي بالزواج منه ! ..
جمانة هذا الرجل لا يناسبك .. أنا أمك وأعرف أين تكون
مصلحتك ..
تمسكت بيدها وأنا ابكي : أمي أرجوك .. أنت أمي .. إن لم
تقفي معي أنت لن يقف معي أحد ، صدقيني أمي .. سعادتي مع عبد
العزيز .. لقد حافظ عليّ عبدالعزيز طوال السنوات الأربع الماضية ..
إن لم أتزوج من عبدالعزيز أقسم لك بأنني لن أتزوج غيره ! .. لا
قدرة لي على أن أحب رجلا آخر ، أفهميني ..
جمانة .. غدا ستكبرين وستنسين .. حينما تتزوجين الرجل
المناسب صدقيني ستضحكين كثيرا على هذه الأيام !
قلت لها وأنا أشهق بكاءا : أمي .. أنا لست بمراهقة حتى تقولي
لي بأنني سأنسى حينما أكبر ! .. أمي أفعلي ما شئت ، أنا لن
أعصاكم .. لكنني أقسم لك بأنني لن أسامحكم أبدا إن حرمتوني
منه ..!..
عقدت حاجبيها بغضب : جمانة .. أجننت حتى تقولي هذا ؟
قلت لك بانني لن اعصاكم .. لكنني لن أسامحكم على رفضكم
له وهذا من حقي ..
قطع حديثنا اتصالك وكأنك كنت تشعر بي يا عزيز .. تجاهلت
أمي لأول مرة وأجبتك من دون أن استاذنها ..
قلت لي بقلق ما أن سمعت صوتي : جمان .. ما الأمر ؟!..
لماذا تبكين ..؟
قلت لك وانا اشهق : لا شيء ، سأتصل بك لاحقا ..
صحت في وجهي : لن ننهي الاتصال جمان ..!..رجاءا أخبريني
ما بك ؟
قلت لك وأنا أنظر إلى أمي التي كانت في غاية الانزعاج : لا
شيء .. كنت أتحدث مع أمي فقط ..
صمت قليلا وقلت : أهي بجوارك الآن ؟
نعم ..
أعطيني إياها !
سألتك بدهشة : لماذا ..؟
أعطيني إياها .. سأتحدث معها ..
لا ضرورة لذلك ..
جمان .. حبيبتي لا تخشي شيئا ، أعطيني إياها .. سأحل
الموضوع ..
مددت لها الهاتف بيد ترتعش ، قلت لها بصوت مخنوق ، يريد
أن يتحدث معك ! ..
ظننت بأنها سترفض الحديث معك ، لكنها أخذت الهاتف مني
وأجابتك : أهلا ! ..
.....................
بخير .. كيف حالك أنت ..؟
.......................
عبدالعزيز .. هل من الممكن أن تتصل بي بعد خمس دقائق
على هاتفي .. أظن بأنك تعرف رقمي أليس كذلك ..؟
........................
حسنا .. مع السلامة ! ..
رمت أمي هاتفي فوق السرير وقامت : جمانة . . ساعود إليك
بعدما أتحدث معه ، أرجو أن تهدئي لنتحدث بعيدا عن الانفعالات ..
كوني على يقين من أني سأفعل ما هو في مصلحتك ..
كنت أشهق كطفلة صغيرة .. تركتها أمها في أول يوم دراسي لها
في باحة المدرسة لتواجه عالما جديدا لا تفقه عنه شئا ولا تعرف
فيه أحدا ! .. كنت أعرف بأنني فشلت في الامتحان الأول ، كان من
المفترض أن يكون الحديث مع والدتي بخصوصك هو الامر
الأسهل في كل ما سيجري معي وما سأمر به ، كان من المفترض
أن أكون أكثر قوة مما كنت في حديثي مع أمي التي تعرف بوجودك
أصلا .. انهرت أمام أول بادرة رفض من أمي التي أعرف أنه من
السهل أن تحن عليّ وترحمني ، فما بالك لو شعرت ولو للحظة بأن
أبي الحازم الصارم الذي لا يغير رايه بشيء ، ولا يبدل قناعاته أحد
لن يقبل بك ؟! .. اتصلت بك عشرات المرات أثناء حديثك مع
أمي .. كانت مكالمتكما طويلة ، استمرت لأكثر من ساعة ونصف ..
كنت أتصل بك لأتأكد من أنك لا تزال تتحدث معها ، كان خطك
المشغول يزيدني توترا وقلقا من أن تجرحك أمي بأي شيء ..
خشيت أن يزل لسانك بخصوص قصتك مع ياسمين وزواجك
السابق ، كنا قد اتفقنا مسبقا أن يظل الامر سرا بيننا وأن لا يعرفه
أحد من أهلك او من أهلي .. لكنني وعلى الرغم من هذا خشيت
أن تخبر أمي بأي شيء فتنتهي الحكاية قبل ان تبدئ ..
كنت أحاول الاتصال بك حينما دلفت أمي إلى الغرفة من دون
أن تقرع الباب ، جلست على طرف السرير وقالت : اغسلي وجهك
ومن ثم اتصلي به لتطمئنيه لأنه قلق عليك ..!..
هززت براسي من دون أن أنظر إليها وأنا ما زلت أشهق ..
قالت وهي متوجهة إلى الباب : لا تنامي وأنت على هذه الحال ..
وخففي من درجة التكييف حتى لا تمرضي ..
وخرجت ..
اتصلت بك وأنا أرتجف من شدة البكاء ، أجبتني بصوت
مرتاح : مرحبا !
عزيز ما الذي دار بينكما ..؟
قلت برقة : أما زلت تبكين ..؟
لم أتمكن من الرد وانهرت في نوبة بكاء .. كان صوتك دافئا
على الطرف الآخر : جمان ..!.. جمان ..
كنت أبكي خوفي كله يا عزيز .. كنت خائفة من أن تحرمني
الدنيا منك بعدما رضيت أنت أن تشاركني إياها .. لم يكن من العدل
أن أحرم منك بعد كل هذا يا عزيز ، لم يكن هذا من العدل ..
قلت : جمان .. جمانتي ، وجع قلبي .. اسمعيني ..
صحت فيك ..It’s not fair ..!
قلت بحزم : حبيبتي .. أتثقين بي ..؟
أثق بك ..
إذا لا تخشي شيئا .. اعدك ألا يأخذك مني أحد وبأنك
ستصبحين لي .. اتفقنا ..
فلتهدئي إذن .. أمسحي دموعك بيبي ولا تبكي مجددا .. انسي
هذا الامر ولتتركيه لي ..
ما الذي قالته لك أمي ..
قلت بسخرية : الأجدر بك ان تسالي ما الذي لم تقله لي ..؟
ماذا قالت ..؟
أممم .. سالتني عن كل شيء في الحياة ، سردت لي تاريخ
عائلتكم المجيد .. ودست لي تهديدين مغلفين ومبطنين ..
لم أفهم .. كيف دست لك تهديدين ؟
قلت لك بانني لن اعصاكم .. لكنني لن أسامحكم على رفضكم
له وهذا من حقي ..
قطع حديثنا اتصالك وكأنك كنت تشعر بي يا عزيز .. تجاهلت
أمي لأول مرة وأجبتك من دون أن استاذنها ..
قلت لي بقلق ما أن سمعت صوتي : جمان .. ما الأمر ؟!..
لماذا تبكين ..؟
قلت لك وانا اشهق : لا شيء ، سأتصل بك لاحقا ..
صحت في وجهي : لن ننهي الاتصال جمان ..!..رجاءا أخبريني
ما بك ؟
قلت لك وأنا أنظر إلى أمي التي كانت في غاية الانزعاج : لا
شيء .. كنت أتحدث مع أمي فقط ..
صمت قليلا وقلت : أهي بجوارك الآن ؟
نعم ..
أعطيني إياها !
سألتك بدهشة : لماذا ..؟
أعطيني إياها .. سأتحدث معها ..
لا ضرورة لذلك ..
جمان .. حبيبتي لا تخشي شيئا ، أعطيني إياها .. سأحل
الموضوع ..
مددت لها الهاتف بيد ترتعش ، قلت لها بصوت مخنوق ، يريد
أن يتحدث معك ! ..
ظننت بأنها سترفض الحديث معك ، لكنها أخذت الهاتف مني
وأجابتك : أهلا ! ..
.....................
بخير .. كيف حالك أنت ..؟
.......................
عبدالعزيز .. هل من الممكن أن تتصل بي بعد خمس دقائق
على هاتفي .. أظن بأنك تعرف رقمي أليس كذلك ..؟
........................
حسنا .. مع السلامة ! ..
رمت أمي هاتفي فوق السرير وقامت : جمانة . . ساعود إليك
بعدما أتحدث معه ، أرجو أن تهدئي لنتحدث بعيدا عن الانفعالات ..
كوني على يقين من أني سأفعل ما هو في مصلحتك ..
كنت أشهق كطفلة صغيرة .. تركتها أمها في أول يوم دراسي لها
في باحة المدرسة لتواجه عالما جديدا لا تفقه عنه شئا ولا تعرف
فيه أحدا ! .. كنت أعرف بأنني فشلت في الامتحان الأول ، كان من
المفترض أن يكون الحديث مع والدتي بخصوصك هو الامر
الأسهل في كل ما سيجري معي وما سأمر به ، كان من المفترض
أن أكون أكثر قوة مما كنت في حديثي مع أمي التي تعرف بوجودك
أصلا .. انهرت أمام أول بادرة رفض من أمي التي أعرف أنه من
السهل أن تحن عليّ وترحمني ، فما بالك لو شعرت ولو للحظة بأن
أبي الحازم الصارم الذي لا يغير رايه بشيء ، ولا يبدل قناعاته أحد
لن يقبل بك ؟! .. اتصلت بك عشرات المرات أثناء حديثك مع
أمي .. كانت مكالمتكما طويلة ، استمرت لأكثر من ساعة ونصف ..
كنت أتصل بك لأتأكد من أنك لا تزال تتحدث معها ، كان خطك
المشغول يزيدني توترا وقلقا من أن تجرحك أمي بأي شيء ..
خشيت أن يزل لسانك بخصوص قصتك مع ياسمين وزواجك
السابق ، كنا قد اتفقنا مسبقا أن يظل الامر سرا بيننا وأن لا يعرفه
أحد من أهلك او من أهلي .. لكنني وعلى الرغم من هذا خشيت
أن تخبر أمي بأي شيء فتنتهي الحكاية قبل ان تبدئ ..
كنت أحاول الاتصال بك حينما دلفت أمي إلى الغرفة من دون
أن تقرع الباب ، جلست على طرف السرير وقالت : اغسلي وجهك
ومن ثم اتصلي به لتطمئنيه لأنه قلق عليك ..!..
هززت براسي من دون أن أنظر إليها وأنا ما زلت أشهق ..
قالت وهي متوجهة إلى الباب : لا تنامي وأنت على هذه الحال ..
وخففي من درجة التكييف حتى لا تمرضي ..
وخرجت ..
اتصلت بك وأنا أرتجف من شدة البكاء ، أجبتني بصوت
مرتاح : مرحبا !
عزيز ما الذي دار بينكما ..؟
قلت برقة : أما زلت تبكين ..؟
لم أتمكن من الرد وانهرت في نوبة بكاء .. كان صوتك دافئا
على الطرف الآخر : جمان ..!.. جمان ..
كنت أبكي خوفي كله يا عزيز .. كنت خائفة من أن تحرمني
الدنيا منك بعدما رضيت أنت أن تشاركني إياها .. لم يكن من العدل
أن أحرم منك بعد كل هذا يا عزيز ، لم يكن هذا من العدل ..
قلت : جمان .. جمانتي ، وجع قلبي .. اسمعيني ..
صحت فيك ..It’s not fair ..!
قلت بحزم : حبيبتي .. أتثقين بي ..؟
أثق بك ..
إذا لا تخشي شيئا .. اعدك ألا يأخذك مني أحد وبأنك
ستصبحين لي .. اتفقنا ..
فلتهدئي إذن .. أمسحي دموعك بيبي ولا تبكي مجددا .. انسي
هذا الامر ولتتركيه لي ..
ما الذي قالته لك أمي ..
قلت بسخرية : الأجدر بك ان تسالي ما الذي لم تقله لي ..؟
ماذا قالت ..؟
أممم .. سالتني عن كل شيء في الحياة ، سردت لي تاريخ
عائلتكم المجيد .. ودست لي تهديدين مغلفين ومبطنين ..
لم أفهم .. كيف دست لك تهديدين ؟
Tags:
احببتك اكثر مما ينبغي